تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون

وهذه الحوادث المشهودة يمتنع أن تكون واجبة الوجود بذاتها فان ما وجب وجوده بنفسه امتنع عدمه ووجب قدمه وهذه كانت معدومة ثم وجدت فدل وجودها بعد عدمها على انها يمكن وجودها ويمكن عدمها فان كليهما قد تحقق فيها فعلم بالضرورة اشتمال الوجود على موجود محدث ممكن

فنقول حينئذ الموجود والمحدث الممكن لابد له من موجد قديم واجب بنفسه فانه يمتنع وجود المحدث بنفسه كما يمتنع أن يخلق الانسان نفسه وهذا من أظهر المعارف الضرورية فان الانسان بعد قوته ووجوده لا يقدر أن يزيد فى ذاته عضوا ولا قدرا فلا يقصر الطويل ولا يطول القصير ولا يجعل رأسه أكبر مما هو ولا أصغر وكذلك أبواه لا يقدران على شىء من ذلك

ومن المعلوم بالضرورة أن الحادث بعد عدمه لابد له من محدث وهذه قضية ضرورية معلومة بالفطرة حتى للصبيان فان الصبى لو ضربه ضارب وهو غافل لا يبصره لقال من ضربنى فلو قيل له لم يضربك أحد لم يقبل عقله أن تكون الضربة حدثت من غير محدث بل يعلم أنه لابد للحادث من محدث فاذا قيل فلان ضربك بكى حتى يضرب ضاربه فكان فى فطرته الاقرار

بالصانع وبالشرع الذى مبناه على العدل ولهذا قال تعالى أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون وفى الصحيحين عن جبير بن مطعم أنه لما قدم فى فداء اسارى بدر قال وجدت النبى يقرأ فى المغرب بالطور قال فلما سمعت هذه الآية ام خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون أحسست بفؤادى قد انصدع

وذلك أن هذا تقسيم حاصر ذكره الله بصيغة استفهام الانكار ليبين أن هذه المقدمات معلومة بالضرورة لا يمكن جحدها يقول أم خلقوا من غير شىء أى من غير خالق خلقهم أم هم خلقوا أنفسهم وهم يعلمون ان كلا النقيضين باطل فتعين أن لهم خالقا خلقهم سبحانه وتعالى

وهنا طرق كثيرة مثل أن يقال الوجود اما قديم واما محدث والمحدث لابد له من قديم والموجود اما واجب وإما ممكن والممكن لابد له من واجب ونحو ذلك وعلى كل تقدير فقد لزم أن الوجود فيه موجود قديم واجب بنفسه وموجود ممكن محدث كائن بعد إن لم يكن وهذان قد اشتركا فى مسمى الوجود وهو لا يعقل موجود فى الشاهد الا جسما فلزمه ما ألزمه لغيره من التشبيه والتجسيم الذى ادعاه

فعلم أن من نفى شيئا من صفات الله بمثل هذه الطريقة فان نفيه باطل

ولو لم يرد الشرع باثبات ذلك ولا دل أيضا عليه العقل فكيف ينفى بمثل ذلك ما دل الشرع والعقل على ثبوته فيتبين ان كل من نفى شيئا من الصفات لأن ذلك يستلزم التشبيه والتجسيم لزمه ما الزم به غيره وحينئذ فيكون الجواب مشاركا

وأيضا فاذا كان هذا لازما على كل تقدير علم أن الاستدلال به على نفى الملزوم باطل فان الملزوم موجود لا يمكن نفيه بحال ولهذا لا يوجد الاستدلال بمثل هذا فى كلام أحد سلف الأمة وأئمتها وانما هو مما أحدثته الجهمية والمعتزلة وتلقاه عنهم كثير من الناس ينفى عن الرب ما يجب نفيه عن الرب مثل أن ينفى عنه النقائص التى يجب تنزيه الرب عنها كالجهل والعجز والحاجة وغير ذلك وهذا تنزيه صحيح ولكن يستدل عليه بأن ذلك يستلزم التجسيم والتشبيه فيعارض بما اثبته فيلزمه التناقض

ومن هنا دخلت الملاحدة الباطنية على المسلمين حتى ردوا عن الاسلام خلقا عظيما صاروا يقولون لمن نفى شيئا عن الرب مثل من ينفى بعض الصفات أو جميعها أو الأسماء الحسنى ألم تنف هذا لئلا يلزم التشبيه والتجسيم فيقول بلى فيقول وهذا اللازم يلزمك فيما اثبته فيحتاج أن يوافقهم على النفى شيئا بعد شىء حتى ينتهى أمره الى أن لا يعرف الله بقلبه ولا يذكره بلسانه ولا يعبده ولا يدعوه وان كان لا يجزم بعدمه بل يعطل نفسه عن الايمان به وقد عرف تناقض هؤلاء

وان التزم تعطيله وجحده موافقة لفرعون كان تناقضه أعظم فانه يقال له فهذا العالم الموجود اذا لم يكن له صانع كان قديما أزليا واجبا بنفسه ومن المعلوم أن فيه حوادث كثيرة كما تقدم وحينئذ ففى الوجود قديم ومحدث وواجب وممكن وحينئذ فيلزمك أن يكون ثم موجودان

أحدهما قديم واجب

والآخر محدث ممكن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير