تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدها أن يبين أن المنازع النافى يلزمه من اللوازم ما هو أبعد عن المعقول الذى يعترف به مما يلزم المثبت فان كان مما يحتج به من المعقول حجة صحيحة لزم بطلان النفى فيلزم الاثبات اذ الحق لا يخلو عن النقيضين وان كان باطلا لم يبطل به الاثبات فلا يعارض ما ثبت بالفطرة العقلية والشرعة النبوية هذا كما اذا قال لو كان فوق العرش لكان جسما وذلك ممتنع

فيقال له للناس هنا ثلاثة اقوال

منهم من يقول هو فوق العرش وليس بجسم

ومنهم من يقول هو فوق العرش وهو جسم ومنهم من يقول هو فوق العرش ولا أقول هو جسم ولا ليس بجسم ثم من هؤلاء من يسكت عن هذا النفي والاثبات لأن كليهما بدعة فى الشرع

ومنهم من يستفصل عن مسمي الجسم فان فسر بما يجب تنزيه الرب عنه نفاه وبين أن علوه على العرش لا يستلزم ذلك وان فسر بما يتصف الرب به لم ينف ذلك المعنى فالجسم فى اللغة هو البدن والله منزه عن ذلك وأهل الكلام قد يريدون بالجسم ما هو مركب من الجواهر المفردة أو من المادة والصورة وكثير منهم ينازع فى كون الاجسام المخلوقة مركبة من هذا وهذا بل أكثر العقلاء من بنى آدم عندهم أن السموات ليست مركبة لا من الجواهر المفردة ولا من المادة والصورة فكيف يكون رب العالمين مركبا من هذا وهذا فمن قال أن الله جسم وأراد بالجسم هذا المركب فهو مخطىء فى ذلك ومن قصد نفى هذا التركيب عن الله فقد اصاب فى نفيه عن الله لكن ينبغى أن يذكر عبارة تبين مقصوده

ولفظ التركيب قد يراد به أنه ركبه مركب أو أنه كانت أجزاؤه متفرقة فاجتمع أو أنه يقبل التفريق والله منزه عن ذلك كله

وقد يراد بلفظ الجسم والمتحيز ما يشار اليه بمعنى ان الأيدى ترفع اليه فى الدعاء وأنه يقال هو هنا وهناك ويراد به القائم بنفسه ويراد به الموجود ولا ريب أن الله موجود قائم بنفسه وهو عند السلف وأهل السنة ترفع الايدى اليه فى الدعاء وهو فوق العرش فاذا سمى المسمي ما يتصف بهذه المعاني جسما كان كتسمية الآخر ما يتصف بأنه حى عالم قادر جسما وتسمية الآخر ما له حياة وعلم وقدرة جسما

ومعلوم أن هؤلاء كلهم ينازعون فى ثلاث مقامات

أحدها أن تسمية ما يتصف بهذه الصفات بالجسم بدعة فى الشرع واللغة فلا أهل اللغة يسمون هذا جسما بل الجسم عندهم هو البدن كما نقله غير واحد من ائمة اللغة وهو مشهور فى كتب اللغة قال الجوهرى فى صحاحه المشهور قال أبوزيد الجسم الجسد وكذلك الجسمان والجثمان وقال الاصمعى الجسم والجثمان الجسد والجثمان الشخص قال والأجسم الاضخم بالبدن وقال ابن السكيت تجسمت الأمر أى ركبت أجسمه وجسيمه أى معظمه قال وكذلك تجسمت الرجل والجبل أى ركبت أجسمه

وقد ذكر الله لفظ الجسم فى موضعين من القرآن فى قوله تعالى وزاده بسطة فى العلم والجسم وفى قوله تعالى واذا رأيتهم تعجبك أجسامهم والجسم قد يفسر بالصفة القائمة بالمحل وهو القدر والغلظ كما يقال هذا الثوب

له جسم وهذا ليس له جسم أى له غلظ وضخامة بخلاف هذا وقد يراد بالجسم نفس الغلظ والضخم

وقد ادعى طوائف من أهل الكلام النفاة أن الجسم فى اللغة هو المؤلف المركب وان استعمالهم لفظ الجسم فى كل ما يشار اليه موافق للغة قالوا لأن كل ما يشار اليه فإنه يتميز منه شىء عن شىء وكل ما كان كذلك فهو مركب من الجواهر المنفردة التى كل واحد منها جزء لا يتجزأ ولا يتميز منه جانب عن جانب أو من المادة والصورة اللذين هما جوهران عقليان كما يقول ذلك بعض الفلاسفة

قالوا واذا كان هذا مركبا مؤلفا فالجسم فى لغة العرب هو المؤلف المركب بدليل أنهم يقولون رجل جسيم وزيد أجسم من عمرو اذا كثر ذهابه فى الجهات وليس يقصدون بالمبالغة فى قولهم أجسم وجسيم الا كثرة الاجزاء المنضمة والتأليف لأنهم لا يقولون أجسم فيمن كثرت علومه وقدره وسائر تصرفاته وصفاته غير الاجتماع حتى اذا كثر الاجتماع فيه بتزايد أجزائه قيل أجسم ورجل جسيم فدل ذلك على أن قولهم جسم مفيد للتأليف

فهذا أصل قول هؤلاء النفاة وهو مبنى على أصلين سمعى لغوى ونظرى عقلى فطرى أما السمعى اللغوى فقولهم أن أهل اللغة يطلقون لفظ الجسم على المركب

واستدلوا عليه بقوله هو أجسم اذا كان أغلظ وأكثر ذهابا فى الجهات وان هذا يقتضى أنهم اعتبروا كثرة الاجزاء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير