وهؤلاء وقع فى كلامهم اشياء أنكروا بعض ما وقع من كلام ابى طالب فى الصفات من نحو الحلول وغيره انكرها عليهم أئمة العلم والدين ونسبوهم الى الحلول من أجلها ولهذا تكلم أبو القاسم بن عساكر فى أبى على الاهوازى لما صنف هذا مثالب أبى الحسن الاشعرى وهذا مناقبه وكان أبو على الاهوازى من السالمية فنسبهم طائفة الى الحلول والقاضى أبو يعلى له كتاب صنفه فى الرد على السالمية
وهم فيما ينازعهم المنازعون فيه كالقاضى أبى يعلى وغيره وكاصحاب الاشعرى وغيرهم من ينازعهم من جنس تنازع الناس تارة يرد عليهم حق وباطل وتارة يرد عليهم حق من حقهم وتارة يرد باطل بباطل وتارة يرد باطل بحق
وكذلك ذكر الخطيب البغدادى فى تاريخه أن جماعة من العلماء أنكروا بعض ما وقع فى كلام أبى طالب فى الصفات وما وقع فى كلام أبى طالب من الحلول سرى بعضه الى غيره من الشيوخ الذين أخذوا عنه كأبى الحكم بن برجان ونحوه
وأما ابو اسماعيل الانصارى صاحب منازل السائرين فليس فى كلامه شىء من الحلول العام لكن فى كلامه شىء من الحلول الخاص فى حق العبد العارف الواصل الى ما سماه هو مقام التوحيد وقد باح منه بما لم يبح به أبو طالب لكن كنى عنه
وأما الحلول العام ففى كلام أبى طالب قطعة كبيرة منه مع تبريه من لفظ الحلول فانه ذكر كلاما كثيرا حسنا فى التوحيد كقوله عالم لا يجهل قادر لا يعجز حى لا يموت قيوم لا يغفل حليم لا يسفه سميع بصير ملك لا يزول ملكه قديم بغير وقت آخر بغير حد كائن لم يزل الى أن قال وانه امام كل شىء ووراء كل شىء وفوق كل شىء ومع كل شىء ويسمع كل شىء وأقرب الى كل شىء من ذلك الشىء وانه مع ذلك غير محل للاشياء وان الأشياء ليست محلا له وأنه على العرش استوى كيف شاء بلا تكييف ولا تشبيه وأنه بكل شىء عليم وعلى كل شىء قدير وبكل شىء
محيط وذكر كلاما آخر يتعلق بالمخلوقات واحاطة بعضها ببعض بحسب ما رآه ثم قال والله جل جلاله وعظم شأنه هو ذات منفرد بنفسه متوحد بأوصافه بائن من جميع خلقه لا يحل الاجسام ولا تحله الاعراض ليس فى ذاته سواه ولا فى سواه من ذاته شىء ليس فى الخلق الا الخلق ولا فى الذات الا الخالق
قلت وهذا ينفى الحلول كما نفاه أولا
ثم قال
فصل شهادة التوحيد ووصف توحيد الموقنين
فشهادة الموقن يقينه أن الله هو الأول من كل شىء وأقرب من كل شىء فهو المعطى المانع الهادى المضل لا معطى ولا مانع ولا ضار ولا نافع الا الله كما لا اله إلا الله ويشهد قرب الله منه ونظره اليه وقدرته عليه وحيطته به فسبق نظره وهمه إلى الله قبل كل شىء ويذكره فى كل شىء ويخلو قلبه له من كل شىء ويرجع اليه بكل شىء ويتأله اليه دون كل شىء ويعلم أن الله أقرب الى القلب من وريده وأقرب الى الروح من حياته وأقرب الى البصر من نظره وأقرب الى اللسان من ريقه بقرب هو وصفه لا يتقرب ولا يقرب
وأنه تعالى على العرش فى ذلك كله وأنه رفيع الدرجات من الثرى كما هو رفيع الدرجات من العرش وأن قربه من الثرى ومن كل شىء كقربه
من العرش وأن العرش غير ملاصق له بحس ولا تمكن فيه ولا يذكر فيه بوجس ولا ناظر اليه بعين ولا يحاط به فيدرك لانه تعالى محتجب بقدرته عن جميع بريته ولا نصيب للعرش منه إلا كنصيب موقن عالم به واجد لما أوجده منه من أن الله عليه وان العرش مطمئن به وان الله محيط بعرشه فوق كل شىء وفوق تحت كل شىء فهو فوق الفوق تحت التحت لا يحد بتحت فيكون له فوق لأنه العلى الأعلى
أين كان لا يخلو من علمه وقدرته مكان ولا يحد بمكان ولا يفقد من مكان ولا يوجد بمكان فالتحت للاسفل والفوق للأعلى
وهو سبحانه فوق كل فوق فى العلو وفوق كل تحت فى السمو هو فوق ملائكة الثرى كما هو فوق ملائكة العرش والأماكن الممكنات ومكانة مشيئته ووجوده قدرته والعرش والثرى فما بينهما هو حد للخلق الاسفل والاعلى بمنزلة خردلة فى قبضته وهو أعلى من ذلك محيط بجميع ذلك كما لا يدركه العقل ولا يكيفه الوهم ولا نهاية لعلوه ولا فوق لسموه ولا بعد فى دنوه
الى أن قال وان الله لا يحجبه شىء عن شىء ولا يبعد عليه شىء قريب من كل شىء بوصفه وهو القدرة والدراك والاشياء مبعدة بأوصافها
¥