تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا الغلط يقع كثيرا فى السالكين يقع لهم أشياء فى بواطنهم فيظنونها فى الخارج فى ذلك بمنزلة الغالطين من نظار المتفلسفة ونحوهم حيث يتصورون أشياء بعقولهم كالكليات والمجردات ونحو ذلك فيظنونها ثابتة فى الخارج وانما هى فى نفوسهم ولهذا يقول أبو القاسم السهيلى وغيره نعوذ بالله من قياس فلسفى وخيال صوفى

ولهذا يوجد التناقض الكثير فى كلام هؤلاء وهؤلاء وأما الذين جمعوا الاراء الفلسفية والخيالات الصوفية الكاسدة كابن عربى وأمثاله فهم من أضل أهل الأرض ولهذا كان الجنيد رضى الله عنه سيد الطائفة امام هدى فكان قد عرف ما يعرض لبعض السالكين فلما سئل عن التوحيد قال التوحيد افراد الحدوث عن القدم

فبين أنه يميز المحدث عن القديم تحذيرا عن الحلول والاتحاد فجاءت

الملاحدة كابن عربى ونحوه فانكروا هذا الكلام على الجنيد لأنه يبطل مذهبهم الفاسد والجنيد وأمثاله أئمة هدى ومن خالفه فى ذلك فهو ضال وكذلك غير الجنيد من الشيوخ تكلموا فيما يعرض للسالكين وفيما يرونه فى قلوبهم من الانوار وغير ذلك وحذروهم أن يظنوا أن ذلك هو ذات الله تعالى

وقد خطب عروة بن الزبير من عبدالله بن عمر ابنته وهو فى الطواف فقال أتحدثنى فى النساء ونحن نتراءى الله فى طوافنا فهذا كله وما أشبهه لم يريدوا به أن القلب ترفع جميع الحجب بينه وبين الله حتى تكافح الروح ذات الله كما يرى هو نفسه فان هذا لا يمكن لأحد فى الدنيا ومن جوز ذلك إنما جوزه للنبى كقول ابن عباس رأى محمد ربه بفؤاده مرتين ولكن هذا التجلى يحصل بوسائط بحسب ايمان العبد ومعرفته وحبه ولهذا تتنوع احوال الناس فى ذلك كما تتنوع رؤيتهم لله تعالى فى المنام فيراه كل انسان بحسب ايمانه ويرى فى صور متنوعة

فهذا الذى قاله ابو طالب وهؤلاء اذا قيل مثله فيما يحصل فى القلوب كان مقاربا مع أن فى بعض ذلك نظرا واما أن يقال أن الرب تعالى فى نفسه هو كذلك فليس الامر كذلك

أما قوله أقرب الى الروح من حياته وأقرب الى البصر من نظره والى

اللسان من ريقه بقرب هو وصفه وقوله أقرب من حبل الوريد فهذا ليس فى كتاب الله ولا سنة رسول الله ولا قاله أحد من السلف لا من الصحابة ولا من التابعين لهم باحسان ولا الأئمة الأربعة وأمثالهم من ائمة المسلمين ولا الشيوخ المقتدى بهم من شيوخ المعرفة والتصوف وليس فى القرآن وصف الرب تعالى بالقرب من كل شىء أصلا بل قربه الذى فى القرآن خاص لا عام كقوله تعالى واذا سألك عبادى عنى فانى قريب أجيب دعوة الداع اذا دعان فهو سبحانه قريب ممن دعاه وكذلك ما فى الصحيحين عن أبى موسى الاشعرى أنهم كانوا مع النبى فى سفر فكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير فقال يا ايها الناس أربعوا على أنفسكم فانكم لا تدعون أصم ولا غائبا انما تدعون سميعا قريبا ان الذى تدعونه اقرب الى أحدكم من عنق راحلته فقال ان الذى تدعونه أقرب الى أحدكم لم يقل أنه قريب الى كل موجود وكذلك قول صالح عليه السلام فاستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربى قريب مجيب هو كقول شعيب واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربى رحيم ودود ومعلوم أن قوله قريب مجيب مقرون بالتوبة والاستغفار أراد به قريب مجيب لاستغفار المستغفرين التائبين اليه كما أنه رحيم ودود بهم وقد قرن القريب بالمجيب ومعلوم أنه لا يقال انه مجيب لكل موجود وانما الاجابة لمن سأله ودعاه فكذلك قربه سبحانه

وأسماء الله المطلقة كإسمه السميع والبصير والغفور والشكور والمجيب والقريب لا يجب أن تتعلق بكل موجود بل يتعلق كل اسم بما يناسبه واسمه العليم لما كان كل شىء يصلح أن يكون معلوما تعلق بكل شىء

وأما قوله ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب اليه من حبل الوريد اذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد وقوله فلولا اذا بلغت الحلقوم وانتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون فالمراد به قربه اليه بالملائكة وهذا هو المعروف عن المفسرين المتقدمين من السلف قالوا ملك الموت أدنى اليه من اهله ولكن لا تبصرون الملائكة وقد قال طائفة ونحن أقرب اليه بالعلم وقال بعضهم بالعلم والقدرة ولفظ بعضهم بالقدرة والرؤية

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير