فنصوص السنة تفصل في هذه المسألة التي أرقت الدكتور حتى جعلته يصنف كتابه هذا، وتخبر بأن الحاكم (المسلم) الظالم الجائر لا يجوز الخروج عليه بالسلاح، وعلى هذا استقر مذهب السلف. أما إذا ارتكب هذا الحاكم كفراً بواحاً ظاهراً فإنه يجوز الخروج عليه بالسلاح وتغييره إذا كان المسلمون لديهم القدرة على ذلك، وأقواله صلى الله عليه وسلم كثيرة مشهورة في تقرير هذا؛ من أوضحها ما رواه عوف بن مالك –رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم))، قال: قلت: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: ((لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)) أخرجه مسلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون بعدي أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع)) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: ((لا، ما صلوا)) أخرجه مسلم ().
فالجهاد أو ما يسميه الدكتور (بالعنف!) يجوز استخدامه من قبل المسلمين قبل الوصول للسلطة –لا كما يزعم الدكتور- وذلك في الحالة السابقة، وأقواله صلى الله عليه وسلم تشهد بهذا، وهي لا تخالف سيرته صلى الله عليه وسلم التي حاول الدكتور أن يوهمنا أنها تعارض هذا، لأنه هو نفسه الآمر بذلك الجهاد أو (الخروج) الشرعي.
انحرافات أخرى للدكتور تفرعت عن انحرافه الأول:
قلت: فترتب على (غلو) الدكتور في هذا المذهب الغريب مذهب السِّلم وعدم العنف انحرافات كثيرة، سأذكرها مع مقولة أو أكثر للدكتور تشهد لكل واحدة منها، ثم أعقب عليها بإيجاز بما يبين للقارئ بطلانها:
1 - الدكتور يؤمن بأن الحروب ستنتهي!
يقول الدكتور: "كانت الحروب قديماً تؤدي دوراً من الغنائم والأسلاب والرقيق، واليوم فات وقتها، فكما تم إلغاء الرق فالعالم في طريقه لإلغاء مؤسسة الحرب" (سيكولوجية العنف، ص143).
قلت: هذا مقولة إنسان خيالي يسبح عقله في ما يتخيله مثالياً، لا أساس لها من الواقع.
وهي –أيضاً- مقولة إنسان لا يؤمن بحكمة مشروعية الجهاد في الإسلام! حيث ارتبطت الحروب عنده فقط بالغنائم والأسلاب والرقيق والأمور (المادية) التي تناسب تفكيره (المادي)! التي متى ما استغنى الناس عنها –كما يزعم الدكتور- سيتوقف (القتال)!! () متغافلاً عن أن الجهاد في الإسلام لا تأتي هذه الأمور (المادية) إلا تبعاً لحِكَمِهِ العالية ومقاصده الشريفة؛ وعلى رأسها (إعلاء كلمة الله في الأرض)، ونشر دينه، واكتساب المجاهدين الأجر العظيم الوارد فيمن جاهد لأجل ذلك، وغير ذلك من المقاصد الشريفة ().
فليست مقاصد الجهاد في الإسلام هي مجرد الغنائم والرقيق كما يزعم جلبي الذي ينظر للأمور بتفكير (مادي).
وأيضاً: ففي كلامه هذا مصادمة لنصوص الشريعة (الآمرة) بالجهاد والمخبرة عن استمراره إلى يوم القيامة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم في مسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).
بل هذا من جملة عقائد أهل السنة الثابتة عندهم دون شك، قال الطحاوي –رحمه الله- في عقيدته: ((والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما)) ()
ويقول الشيخ علي العلياني في كتابه (أهمية الجهاد، ص 186): "لا ينتهي جهاد الكفار إلا إذا أسلموا أو خضعوا لحكم الإسلام ودفعوا الجزية".
وأيضاً: ففي كلامه السابق مصادمة للنصوص الشرعية (المخبرة) عن استمرار القتال (من جميع الأطراف)! على وجه الأرض إلى أن تقوم القيامة، ومن راجع ما جاء في أشراط الساعة علم هذا، ويأتي على رأس ذلك مقاتلة المسلمين لليهود التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، وكذا خروج يأجوج ومأجوج، وغير ذلك.
فكلام الدكتور باطل (شرعاً) و (قدراً).
ثم قوله (تم إلغاء الرق) ليس فيه دليل على (تحريم) الرق أو أن الإسلام قد جاء بما يشين –كما يوهم كلامه-.
¥