يقول الدكتور: "غدت الحرب موضة قديمة يمارسها المتخلفون، وكل بؤر النزاع والحروب في العالم اليوم هي في معظمها مناطق المتخلفين "!! (المرجع السابق، ص 164).
قلت: كل متابع للأحداث يعلم بطلان هذا القول ومخالفته للواقع، بل (العنف) و (الحروب) مستمرة ما دام هناك بشر مختلفون، دون تفريق بين (متحضر) و (متخلف) كما يزعم الدكتور.
وشاهد ذلك من الواقع كثير: فهذه زعيمة التحضر (أمريكا) لا تزال تمارس عنجهيتها وعنفها مع المسلمين؟ كما حدث في السودان وأفغانستان.
وهذه روسيا تفعل ذلك في الشيشان.
وهذه إسرائيل وهي من الدول المتحضرة عندك بلا شك! لامتلاكها للتكنولوجيا والصناعة المتطورة، غارقة في أوحال الحرب مع العرب بين حين وآخر.
إن قال الدكتور: ما يحدث من روسيا وأمريكا ليست حروباً، إنما هي حملات تأديب! أو نحو ذلك. أقول له:
هذه التي تسميها (حملات تأديب) أليست هي عنفاً في نظرك؟! هي كذلك بلا شك، وهذا مما ينقض قولك؛ لأن من مارس (العنف) الجزئي سيمارسه (كلياً) عندما يحتاج إليه! ويحمى الوطيس.
أيضاً: فقل لي –بالله- متى خلت البلاد (المتقدمة) من الحروب؟! أليست الحرب العالمية الثانية لم تضع أوزارها إلا قبل خمسين عامًا تقريباً، فكيف حكمت بهذا الحكم خلال هذه المدة القصيرة؟! ومثل هذه الأحكام لا تبنى إلا خلال قرون.
ثم أقول: لقد غاب عنك، أن هذه الدول المذكورة لم تدع (الحروب) في السنوات الأخيرة نظراً (لتقدمها) أو (لتحضرها) كما تزعم بل ودعتها لأنها تعلم أن حروب اليوم لو وقعت لأكلت الأخضر واليابس، ولأحرقت الجميع بنارها؛ نظراً لتطور الأسلحة، فسبب تركهم -إن سلمناه لك – هو خوفهم من الموت ومن الهلاك، ولا علاقة (بالتحضر) في هذا الأمر.
4 - (المتقدم) يحل مشاكله بالحوار لا بالعنف، عند الدكتور!
يقول الدكتور: "العالم اليوم فيه شريحتان: شريحة ودعت الحرب وتحل مشاكلها بالحوار، وشريحة لم تصل إلى هذا المستوى، فتحل مشاكلها بالصدام والسلاح"! (المرجع السابق، ص144). (وانظر ص 164 و219 وما بعدها)
قلت: وهذه كذبة أخرى للدكتور يؤيد بها (أحلامه)!
ونحن لم نر هذا الحوار في تعامل أمريكا مع السودان أو أفغانستان!
ولم نره في تعاملها مع العراق!
وهكذا لم نره في تعامل الروس مع الشيشان.
ولا في تعامل اليهود مع المسلمين الفلسطينيين.
5 - الصراع بين الناس لا يمكن حله إلا بالسلام!
يقول الدكتور: "هذا الصراع بين الإنسان وأخيه لا يمكن تحويله أو إلغاؤه إلا بالسلام" (المرجع السابق، ص184) وكثيراً ما يردد الدكتور بأن (العنف لا يحل المشكلة) (سيكولوجية العنف، ص152، وانظر: ص168، 211).
قلت: وهذا ليس على إطلاقه! بل بعض الصراعات تُحل بالسلام وبالصلح، وبعضها –وهي الأكثر- لا تحل إلا بالقوة والعنف!! وشاهد هذا من التاريخ القديم والمعاصر كثير لا يخفى على عاقل. فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا لو تعامل بمنهجك هذا مع الكفار لما استجابوا له، ولما خضد شوكتهم، وكسر هيبتهم، وحل بديارهم.
ولقد أحسن القائل:
دعا المصطفى دهراً بمكة لم يُجب
وقد لان منه جانبٌ وخطابُ
فلما دعا والسيف صلتٌ بكفه
له أسلموا واستسلموا وأنابوا
وهكذا خلفاؤه لو فعلوا ذلك مع الفرس والروم وغيرهم لما ازدادوا إلا ضعفاً وتراجعاً.
وفي عصرنا الحاضر رأينا السلاح والعنف يحل كثيراً من الأمور والصراعات المستعصية، فعلى سبيل المثال: حادثة توحيد البلاد السعودية لم تتم -بعد توفيق الله- إلا بهذا، وإلا لكنا شراذم شتى لو طبقنا فكرة الدكتور! وهكذا توحيد اليمن لم تحله المؤتمرات والحوارات، إنما حلته أفواه الرشاشات وأزيز العربات والطائرات! قال الشاعر:
والشر إن تلقه بالخير ضقت به
وإن تلقه بالشر ينحسم
بل شاهد ذلك من الدول التي يزعم الدكتور أنها (متقدمة) واضح جداً، فهذه الولايات المتحدة لم يتحقق لها هذا الارتفاع الدنيوي في الأرض إلا بسبب خوضها للحروب الطويلة مع مستعمريها من الإنجليز وغيرهم.
ثم مع جاراتها في سبيل توحيد الولايات إلى أن تحررت، ثم تطورت، ثم سيطرت () ولو أخذت بمبدئك هذا لما كان لها هذا الشأن.
والأمثلة كثيرة
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
¥