تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(أما بعد فقد وقفت على رسالة منسوبة لشيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى ورضي عنه مضمونها أن قتال الكفار سببه المقاتلة لا مجرد الكفر وأنهم إذا لم يقاتلونا لم يجز لنا قتالهم وجهادهم على الكفر، وأن هذا القول هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار واستدل لما زعمه ببعض آيات شبه بها ولبس، وأولها على غير معناها المراد؛ بها مثل قوله تعالى (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) الآية وقوله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) وقوله (لا إكراه في الدين) وحديثين حرفهما لفظا ومعنى وضرب صفحاً عن الآيات المحكمة الصريحة التي لا تحتمل التأويل والأحاديث الصحيحة التي تكاد تبلغ حد التواتر في الأمر بقتال الكفار والمشركين حتى يتوبوا من كفرهم ويقلعوا عن شركهم، وهذه طريقة أهل الزيغ والضلال يَدَعون المحكم ويتبعون المشابة كما أخبر الله عنهم في قوله تعالى (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) ولما رآها بعض من ينتسب إلى العلم وليس من أهل الدراية والفهم صادفت هوى في نفسه فطار فرحاً ظاناً أنها الضالة المنشودة وراجت لديه بمجرد نسبتها لشيخ الإسلام فسعى في طبعها ونشرها على كذبها وقشرها.

وما علم المسكين أنه قد استحسن ذا ورم وأنها محض افتراء وتزوير على الشيخ وقد نزه الله شيخ الإسلام عن هذا الخطل الواضح والجهل الفاضح والخوض في شرع الله بغير علم ولا دراية ولا فهم، ولكن الأمر كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه للحارث بن الأحوص لما قال له أتظن: أن طلحة والزبير كانا على باطل؟ فقال له: (يا حارثه إنه لملبوس عليك إن الحق لا يعرف بالرجال اعرف الحق تعرف أهله). فهذا الذي طبعها ونشرها ممن لا يعرف الحق إلا بالرجال فهو ملبوس عليه كما قال أمير المؤمنين. لأنه لو عرف الحق في هذا الباب لما راجت عنده هذه الرسالة ولقابلها بالإنكار والرد ونبذها نبذ النواة لأنها تتضمن إبطال فريضة دينية هي ذروة سنام الإسلام، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)، وقد جاء في حديث مرسل (أن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند حلول الشهوات) فبالبصر النافذ تندفع الشبهة وبالعقل الكامل تندفع الشهوة. وحيث أن ما جاء في هذه الرسالة مخالف لنصوص الكتاب والسنة ولما أجمعت عليه الأمة في الصدر الأول ومخالف أيضاً لما نص عليه شيخ الإسلام نفسه في كتبه المشهورة المتداولة المعروفة لدى الخاص والعام: الجواب الصحيح والصارم المسلول ومنهاج السنة والسياسة الشرعية وغيرها من كتبه التي سنذكر نصه فيها بالحرف ونحيل على الكتاب ليسهل الوقوف عليه لمن أحب ذلك، وليعلم أن هذه الرسالة مزورة عليه ولا تصح نسبتها إليه بوجه من الوجوه وأن من نسبها إليه فقد شارك المفتري في عمله وما يترتب عليه من إثم، وبما أن الله تعالى قد أوجب على أهل العلم البيان وعدم الكتمان في قوله عز من قائل (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) ولما لم أر من قام بهذا الواجب ولا أعاره من العناية والأهمية جانباً إلا أنه بلغني أن شيخنا الشيخ سليمان بن سحمان قد رد عليها ولكن أصبح رده غير موجود، وخوفاً من أن يظن أن هذه المسألة من مسائل النزاع فضلاً عن أن يظن أنها من مسائل الإجماع فيغتر بها جاهل لا تفريق له بين الحق والباطل والحالي والعاطل أو يحتج بها ملحد منافق مجادل مشاقق تصديت لبيان ما فيها من فساد وتحريف وإلحاد…. وقد ارتكب واضع هذه الرسالة ومفتريها بعمله هذا أنواعاً من المحرمات والعظايم؛ فمنها الفرية على الله تعالى بأن هذا شرعه ودينه الذي شرعه لعباده وقد قال تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم)، قال قتاده هي لكل مفتر إلى يوم القيامة. ومنها الإلحاد في آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وتأويلها على غير معناها المراد بها. ومنها الكذب على إمام من أئمة المسلمين ونسبة ما لم يقل إليه وقد نقل فيها بعض عبارات من الصارم المسلول وغيره من كتب الشيخ تصرف فيها أسوأ التصرف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير