قلت: هذا من مبالغاتك وتهويلاتك في سبيل نصرة مذهبك الفاسد! ويكفي للرد عليك أن يُقال بأن الذي قصَّ هذه القصة علينا، وهو الله سبحانه وتعالى، هو الذي فرض الجهاد وقتال الكفار! فكيف تزعم أن الله أراد بهذه القصة (تدشين أسلوب جديد في الصراع الإنساني وحل النزاعات)؟ أليس هذا من الكذب والتلبيس على القارئ؟! عندما حملت هذه القصة القرآنية على معانٍ باطلة قد استقرت في نفسك، وهذا من التفسير بالهوى.
فابن آدم (المقتول) لم يقتل أخاه بعد أن علم بنيته في قتله تورعاً منه رحمه الله أن يبوء بإثم قتل النفس بغير الحق الأول في تاريخ البشرية، فتُحمل عليه أوزار من تبعه في هذه السنة السيئة، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من نفس تُقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنه أول من سن القتل)) ()
11 - الدكتور يقول: مفاهيمنا ستسود العالم!
يقول الدكتور: "هذه المفاهيم سوف تعم العالم في النهاية؛ لأنها صوت الحفاظ على الجنس البشري" (المرجع السابق،ص 91)
قلت: يقول الله تعالى (تلك أمانيّهم)! ويقول (ليس بأمانيكم)!
ويقول الشاعر:
منىً إن تكن حقاً تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمناً رغداً
الانحراف الثاني: تحريفه للآيات والأحاديث والمعاني الشرعية:
وهذا من الانحرافات التي استقاها واستفادها جلبي من شيخه جودت سعيد، حيث أن هذا الأخير قد تميز وتفرد في تحريف معاني النصوص الشرعية بما يوافق هواه، غير عابئ بمعانيها الحقيقية التي أجمع عليها المسلمون، وليس المقام مقام تبيين ذلك من كلام جودت لأن له موعداً لن نخلفه إن شاء الله.
أما تلميذه النجيب فسأذكر لك شيئاً من تحريفه للتفاسير والمعاني الشرعية بما يبين لك مقدار تعظيم هذا الرجل للنصوص، حيث يقوم بمهارة بتحريفها ولي أعناقها زاعماً أنها تشهد للمعنى الفاسد الذي تقرر في ذهنه مسبقاً، وإليك نماذج من ذلك:
أولاً: تحريفه لآيات الكتاب العزيز:
1 - مضى تفسيره (الفتنة) في قوله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) بأنها الإكراه، وإنما هي الشرك ()
2 - ومن ذلك: قوله: (يجب أن نعترف أن الحوار الفعَّال النشط يحتاج دون شك إلى أرضية فكرية خصبة، وطاقة نفسية، وتحرر فكري، وانكسار قيد التقليد، ولكنه مع هذا يبقى مفتاح دخول وتجاوز العقبة (فلا اقتحم العقبة))! (سيكولوجية العنف، ص 98)
قلت: (العقبة) فسرها الله بقوله بعدها (وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يومٍ ذي مسغبة، يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة)
3 - ومن ذلك: قوله: (بقدر نمو الوعي والتراكم المعرفي، والسمو الأخلاقي، تتراجع وتضمر مؤسسة العنف، حتى يتخلص الجنس البشري من العنف كلية (حتى تضع الحرب أوزارها)! (سيكولوجية العنف، ص 120).
قلت: آية (حتى تضع الحرب أوزارها) ليس معناها كما يزعم هذا الضال نهاية الحرب (أو الجهاد) من العالم!! بل معناها يشهد له ما قبلها، قال تعالى (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منّاً بعدُ وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها) قال ابن كثير –رحمه الله-: ((حتى إذا أثخنتموهم) أي أهلكتموهم قتلاً (فشدوا الوثاق) الأسارى الذين تأسرونهم، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجاناً، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشارطونهم عليه) () وقال ابن عباس (حتى تضع الحرب أوزارها): حتى لا يبقى أحد من المشركين () وقال قتادة: حتى لا يكون شرك ().
قلت: بل جاء في تفسير هذه الآية ما يُكذِّب هذا الفهم الفاسد الذي فهمه الدكتور، فقد قال النواس بن سمعان –رضي الله عنه- فُتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحٌ فأتيته فقلت: يا رسول الله، سُيِّبت الخيل ووضعوا السلاح، فقد وضعت الحرب أوزارها وقالوا: لا قتال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذبوا الآن جاء القتال، الآن جاء القتال، إن الله جل وعلا يزيغ قلوب أقوام يقاتلونهم ويرزقهم الله منهم؛ حتى يأتي أمر الله على ذلك، وعقر دار المؤمنين الشام)) ()
فحق لنا بعد هذا أن نُكذِّب الدكتور على فهمه السقيم!
¥