[ما هو ضابط الكرامات والحد الأعلى الذي يجوز شرعا منها]
ـ[أبو بكر بن عبدالوهاب]ــــــــ[05 - 06 - 04, 12:34 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:
فهذا السؤال في الأصل كنت قد أرسلته إلى شيخنا الحبيب أبي عمر زياد بن منيف العضيلة حفظه الله تعالى، ورأى الشيخ حفظه الله أن أطرحه في موضوع لتعم الفائدة ويشارك به إخواننا الكرام.
ما هو ضابط الكرامات، أريد تعريفا جامعا مانعا لها، وما هو الحد الأعلى منها، بمعنى ما هو آخر حد تصل إليه الكرامة.
البعض يقول إطلاع على بعض المغيبات.
والبعض يقول إطلاع على كل المغيبات.
والبعض يرى العرش.
والبعض يرى اللوح المحفوظ.
والبعض يرى الذهاب من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب بلحظة.
والبعض تأتي الكعبة لزيارته فيطوف حولها.
والبعض يرى إحياء موتى البشر.
والبعض يرى إحياء موتى الحيوانات.
والبعض يرى قلب الحجارة فاكهة.
والكلام في هذا يطول.
والحاصل في هذه المسألة
أن في الكرامة ثلاثة أقوال فيما أعلم
1ـ المنع مطلقا.
2ـ الجواز مطلقا.
3ـ التفصيل بين ما كان من قبيل المعجزات الكبار (ما وقع بها التحدي) أو غيرها فمنعوا الكبار وأجازوا ما دون ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح (7/ 479 طبعة السلام) إن هذا القول أعدل المذاهب (أي القول الثالث بالتفصيل)، ثم أجاز الإطلاع على بعض المغيبات مما يدل على أنه لا يعتبره من الكبار.
وهذا تمام كلامه رحمه الله:
قوله: (وما كان إلا رزق رزقه الله) في رواية ابن سعد " رزقه الله خبيبا " وفي رواية شعيب وثابت " تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا " قال ابن بطال: هذا يمكن أن يكون الله جعله آية على الكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته قال: فأما من يدعي وقوع ذلك له اليوم بين ظهراني المسلمين فلا وجه له , إذ المسلمون قد دخلوا في الدين وأيقنوا بالنبوة , فأي معنى لإظهار الآية عندهم؟ ولو لم يكن في تجويز ذلك إلا أن يقول جاهل إذا جاز ظهور هذه الآيات على يد غير نبي فكيف نصدقها من نبي والفرض أن غيره يأتي بها لكان في إنكار ذلك قطعا للذريعة , إلى أن قال. إلا أن وقوع ذلك مما لا يخرق عادة ولا يقلب عينا , مثل أن يكرم الله عبدا بإجابة دعوة في الحين , ونحو ذلك مما يظهر فيه فضل الفاضل وكرامة الولي , ومن ذلك حماية الله تعالى عاصما لئلا ينتهك عدوه حرمته انتهى. والحاصل أن ابن بطال توسط بين من يثبت الكرامة ومن ينفيها فجعل الذي يثبت ما قد تجري به العادة لآحاد الناس أحيانا , والممتنع ما يقلب الأعيان مثلا , والمشهور عن أهل السنة إثبات الكرامات مطلقا , لكن استثنى بعض المحققين منهم كأبي القاسم القشيري ما وقع به التحدي لبعض الأنبياء فقال: ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك , وهذا أعدل المذاهب في ذلك , فإن إجابة الدعوة في الحال وتكثير الطعام والماء والمكاشفة بما يغيب عن العين والإخبار بما سيأتي ونحو ذلك قد كثر جدا حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب إلى الصلاح كالعادة , فانحصر الخارق الآن فيما قاله القشيري , وتعين تقييد قول من أطلق أن كل معجزة وجدت لنبي يجوز أن تقع كرامة لولي , ووراء ذلك كله أن الذي استقر عند العامة أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك من أولياء الله تعالى , وهو غلط ممن يقوله , فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب , فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله تعالى إلى فارق , وأولى ما ذكروه أن يختبر حال من وقع له ذلك فإن كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهي كان ذلك علامة ولايته ومن لا فلا وبالله التوفيق.
قلت (أبو بكر):
في هذا عندي إشكال، إذ لو لم تكن معرفة بعض المغيبات من الكبار فما هي الكبار إذاً.
أنا إلى هذه الساعة التي أكتب لكم فيها أقول بالعموم الوارد في جملة الآيات والأحاديث الظاهرة الدلالة في امتناع إطلاع أحد على الغيب سوى الإستثاء في قوله تعالى (إلا من ارتضى من رسول) وقد بحثت كثيرا عن مخصص ولما أجد، وقد وقفت بالطبع على ما رواه الإمام البخاري رحمه الله في الصحيح
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب.
ولكن لم يتبين لي أن هذا الحديث يقوى لتخصيص هذه العمومات للاختلاف في دلالته.
وقد قال لي مرة أحد الإخوة
أليس الوقوع أقوى أدلة الإمكان
وأراد أن يخصص الآيات والأحاديث بالوقوع.
أجبته أني لا أعرف أحدا تكلم عن تخصيص للنصوص بالوقوع، ثم قلت له ولا أعرف أن هذا ثبت عن أحد فيما أعلم، ثم استدل علي بقصة عمر رضي الله تعالى عنه وقت أن قال (يا سارية الجبل الجبل)، فاعترضته بأن هذا الأثر لا يصح ألبتة.
وللفائدة فالحنفية كلام عامة المتقدمين منهم يمنع جواز الكبار (والكبار عندهم كثيرة) لا بل وأكثر من ذلك، وقد رد أحد من عرفت على كلام نقلته عنهم بما لا يجوز السطر قائلا:
عامة متقدمي الحنفية معتزلة فلا عبرة بقولهم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أخوكم المحب أبو بكر ماهر بن عبد الوهاب علوش.
¥