لذا من المعلوم ضرورة من دين الإسلام أن من وقع في الشرك الأكبر حبط عمله حبوطا كليا.
و لنتدبر في قوله تعالى (ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) (غافر: 12) فهذه الآية فيها دليل على التفريق بين الكفر و الشرك و أن الشرك مقابله التوحيد و الكفر مقابله الإيمان.
ففي قوله تعالى (ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) ذكر وصف التوحيد و هو إخلاص الدعوة لله تعالى و ذكر موقف المشركين من هذا التوحيد و هو الكفر أي الجحد و الإنكار.
و في قوله تعالى ( ... وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي يؤمنوا بهذا الشرك.
فإخلاص الدعاء لله تعالى مقابل الشرك و الكفر بالتوحيد مقابل الإيمان بالشرك و العكس بالعكس أي الإيمان بالتوحيد مقابل الكفر بالشرك كما قال تعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256).
فنخلص إلى أن هذه الآية فيها تفريق صريح بين االشرك و الكفر و أن لكل منهما حقيقة تفارق الآخر و يلزم من تخالفهما تخالف أضدادهما فجعل الله تعالى ضد التوحيد الشرك و ضد الإيمان الكفر.
و أما قوله تعالى (وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين).
فما نبه عليه الشيخ الفاضل علي الخضير فك الله أسره ليس في محله فبعد أن ذكرنا الأصل السابق علمنا يقينا أن هذه الآية المراد بها أن هؤلاء قد أقيمت عليه الحجة فسبب تسميتهم كافرين هو عبادتهم لغير الله تعالى و ليس هذا معناه أنهم لم تقم عليهم الحجة بل الحجة مقامة عليهم لوصفهم بالكفر هذا هو الفهم الصحيح لمعنى الكفر في كتاب الله تعالى و هذا هو المعهود من لفظ الكفر في القرآن.
و سأبين معنى دقيق خفي على الشيخ الفاضل في هذه الآية فقوله تعالى (وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ) (النمل: 43) كلام الله تعالى هذا ذكره بعد مجئ بلقيس إلى سليمان عليه السلام و هذا هو سياق الآية كما في هذه القصة.
و معلوم من سياق الآية أن قبل مجئ بلقيس لسليمان عليه السلام كان سليمان عليه السلام أرسل إليهم إليهم كتابا ((قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ29إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ30أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (النمل: 31) فهذا كتاب سليمان عليه السلام لهم فبهذا الكتاب قد أقيمت عليهم الحجه فأصبحوا كافرين إن لم تكن الحجه مقامه عليهم من قبل و معلوم من سياق الآية أن قوله تعالى (إنا كانت من قوم كافربن) في آخر سياق القصة.
ثم إن الله تعالى ذكر في نفس الآية الشرك و هي عبادتهم للشمس من دون الله تعالى و ذكر الكفر و هو قوله (إنها كانت من قوم كافرين) فلابد إذن أن يفترقا بالمعنى كما افترقا باللفظ و السياق فلا يقال أن المراد بأنها كانت من قوم كافرين الشرك لأن صفة الشرك موجودة في الآية و الأصل عدم التكرار فلو كررنا لفظ الشرك لكنا سياق الآية يأتي بهذلا المعنى و صدها الشرك و هو عبادة الشمس من دون الله تعالى إنها كانت من قوم مشركين و هذا المعنى فيه تكرار واضح ينزه عنه كلام الله تعالى و الأصل كما ذكرنا عدم التكرار و كذلك الأصل التأسيس لا التأكيد و قولنا بأن المراد هنا إقامة الحجة بيان لمعنى غير مكرر لأن التكرير تأكيد و المعنى الجديد تأسيس.
ثم إن الله تعالى ذكر في أول القصة وصفها و قومها بالشرك و عبادة الشمس من دون الله تعالى بقوله (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) (النمل: 24) فلا حاجة إذا تكرار وصف قومها بالشرك و أنها كانت من قوم مشركين.
فوصف الشرك كما قررنا يفارق وصف الكفر هذا هو الأصل و لا يجتمعان إلا بعد قيام الحجة.
و لو شئنا لنقلنا الآيات الدالة على هذا الأصل في معنى الكفر و لكن فيم سبق كفاية إن شاء الله تعالى
و الله أعلم.
ـ[أبو أسيد البغدادي]ــــــــ[12 - 06 - 04, 03:39 م]ـ
جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم على هذه الفوائد المهمة، و الحق أن الصدر ينشرح لما ذكرتم و يزول به كثير من الاشكال ولعل الشيخ ذكر أن الشرك قد يأتي بمعنى الكفر لورود ذلك
على لسان أئمة الدعوة رحمهم الله، مثل:
1 - قول الشيخين الكريم حسين و عبد الله أبناء شيخ الاسلام محمد (الدرر10\ 142):"من مات على الشرك قبل بلوغ
هذه الدعوة فالذي يحكم عليه أنه إذا كان معروفا بفعل الشرك و يدين به و مات على ذلك فهذا ظاهره أنه
مات على الكفر ... )، قال الشيخ -:"وقوله مات على الكفر أي كفر شرك"
(التوضيح و التتمات حاشية64)
2 - قال الشيخ حمد بن ناصر (الدرر10\ 336):",ام من كان يعبد الأوثان و مات على ذلك قبل ظهور هذا الدين
فهذا ظاهره الكفر"، قال الشيخ معلقا"لانه يعبد الأوثان، و الكفر المسمى هنا كفر شرك"
أرجوا التعليق من فضيلتكم و عسىأن لا أكون قد أثقلت عليكم.
¥