تعظيم قبور الصالحين، وتصوير تماثيلهم للتبرك بها، وهذا أول الأسباب التي بها
ابتدع الآدميون، وهو شرك قوم نوح .. » [50]. وقد ذكر ابن القيم أن من أعظم
مكائد الشيطان التي كاد بها أكثر الناس، وما نجا منها إلا من لم يرد الله - تعالى -
فتنته «ما أوحاه قديماً وحديثاً إلى حزبه وأوليائه من الفتنة بالقبور، حتى آل الأمر
فيها إلى أن عُبد أربابها من دون الله، وعُبدت قبورهم، واتخذت أوثاناً، وبنيت
عليها الهياكل وصورت صور أربابها فيها، ثم جعلت تلك الصور أجساداً لها ظل،
ثم جعلت أصناماً، وعبدت مع الله - تعالى -، وكان أول هذا الداء العظيم في قوم
نوح، كما أخبر - سبحانه - عنهم في كتابه، حيث يقول:] قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ
عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً * وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً * وَقَالُوا لاَ
تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَداًّ وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا
كَثِيراً [(نوح: 21 - 24). قال غير واحد من السلف: «كان هؤلاء قوماً
صالحين في قوم نوح عليه السلام، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا
تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم». فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة
القبور، وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته عن عائشة - رضي الله عنها -:
«أن أم سلمة - رضي الله عنها - ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
كنيسة رأتها بأرض الحبشة، يقال لها مارية، فذكرت له ما رأت فيها من
الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أولئك قوم إذا مات فيهم العبد
الصالح، أو الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور،
أولئك شرار الخلق عند الله» [51]. فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور،
وهذا كان سبب عبادة اللات؛ فقد روى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور
عن مجاهد] أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى [(النجم: 19) قال: «كان يلت لهم السويق
فمات، فعكفوا على قبره». وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله
عنهما: «كان يلت السويق للحاج».
فقد رأيتَ أن سبب عبادة وَدّ، و يغوث و يعوق و نسر واللات، إنما كانت
من تعظيم قبورهم، ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوهم كما أشار إليه النبي صلى الله
عليه وسلم .. » [52].
السبب السادس: الحرص على تحصيل المال والجاه:
من أسباب الاهتمام بآثار الأنبياء والصالحين ونحوها الحرص على الحصول
على الأموال والجاه والشرف والمكانة بين الناس؛ فمن ذلك ما ذكره عبد القدوس
الأنصاري أن الحجر الذي جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد بني
ظفر [53] رآه في خزانة زجاجية عالية بمدخل دار الكتب المصرية، وعلم من
المدير العام لها أن شخصاً من أهل المدينة نقله إلى مصر فيما بعد وباعه إلى الدار
بثمن كبير!!! [54].
يقول العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى -: «وربما يقف جماعة من
المحتالين على قبر ويجلبون الناس بأكاذيب عن ذلك الميت ليستجلبوا منهم النذور
ويستدروا منهم الأرزاق ويقتنصوا النحائر ويستخرجوا من عوام الناس ما يعود
عليهم، وعلى من يعولونه، ويجعلون ذلك مكسباً ومعاشاً وربما يهولون على الزائر
لذلك الميت بتهويلات، ويجعلون قبره بما يعظم في عين الواصلين إليه، ويوقدون
في المشهد الشموع، ويوقدون فيه الأطياب ويجعلون لزيارته مواسم مخصوصة
يتجمع فيها الجمع الجم، فيبهر الزائر، ويرى ما يملأ عينه وسمعه من ضجيج
الخلق وازدحامهم وتكالبهم على القرب من الميت والتمسح بأحجار قبره وأعواده،
والاستغاثة به والالتجاء إليه، وسؤاله قضاء الحاجات ونجاح الطلبات، مع
خضوعهم واستكانتهم وتقريبهم إليه نفائس الأموال، ونحرهم أصناف
النحائر» [55].
السبب السابع: التأثر بأصحاب الديانات الضالة:
من أسباب الاهتمام بالآثار اختلاط المسلمين بأصحاب الديانات الأخرى من
يهود ونصارى وغيرهم، وهؤلاء عندهم اعتقادات وأباطيل كثيرة، تأثر بها بعض
ضعاف المسلمين، فتعظيم القبور كان موجوداً عند اليهود والنصارى، وفي
¥