تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

النصارى أكثر وأشد؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله اليهود والنصارى

اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا» [56]، ولأن النصارى يعيشون بين

المسلمين أكثر من غيرهم من أهل الديانات الأخرى كان التأثر بهم أكثر؛ فشيخ

الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يذكر أن كثيراً: «من جهال المسلمين ينذرون

للمواضع التي يعظمها النصارى، كما قد صار كثير من جهالهم يزورون كنائس

النصارى، ويلتمسون البركة من قسيسيهم ورهابينهم ونحوهم» [57].

ولو تأملت بعض ما يفعله القُبوريون لعلمت أنه امتداد لعادات وثنية كانت

سائدة قبل الإسلام: «وأول هذه العادات: تقديس الأولياء، تلك العادة التي لقيت

رواجاً سريعاً وعميقاً في نفوس المصريين لارتباطها بطبيعتهم منذ فجر التاريخ؛

ففكرة تشييد المساجد الجميلة فوق أجساد الموتى وتقديسهم تتصل بجذور الفكر

الديني المصري منذ العصر الفرعوني، ولا سند لها في القرآن والسنة .. » [58]

يقول الشيخ محمد رشيد رضا معقباً على ما ادعاه أحد مشايخ القبورية في تسويغ

اتخاذ القبور والأضرحة واسطة للشفاعة: «هذا عين ما كان يحتج به المشركون

الأولون وحكاه الله - تعالى - عنهم ... وهو ما يفعله بعض النصارى عند قبور

القديسين».

ويقول أيضاً: «ولا تظنوا أن الهندوس ليس عندهم كهنة يتأولون لهم بدعهم

الوثنية كما تأول هذا العالم الأزهري .. واحتج لهم بأنهم كأنجاس الهند المنبوذين،

ليس لأحدهم أن يتقرب إلى الله - تعالى - بنفسه، بل لا بد له من أحد هؤلاء

المعتقدين ليقربه إليه زلفى» [59].

ويقول الشيخ أبو الحسن الندوي: «وكل ما كان يدور حول قبور الأولياء

والمشايخ كان تقليداً ناجحاً للأعمال والتقاليد التي كانت تنجز في معابد غير

المسلمين وقبور المقدسين عندهم؛ فالاستغاثة منهم والاستعانة بهم، ومد يد الطلب

والضراعة إليهم كل ذلك كان عاماً شائعاً بينهم ... » [60].

ويذكر الشيخ محمد رشيد رضا صورة من هذا التشابه، فيقول: «في بنارس

[في الهند] قبر أبي البشر آدم - عليه السلام -، وقبر زوجه وقبر أمه! ويقال:

«إنهم يعبرون بأمه عن الطبيعة»، وقبور قضاته، وهي تحت قباب

مصفحة بالذهب كقبة أمير المؤمنين علي في النجف، وقباب غيره .. وجميع هذه

القبور تعبد بالطواف حولها، والتمسح بها، وتلاوة الأدعية والأوراد عندها،

كغيرها من تماثيل معبوداتهم، مع الخشوع وبذل الأموال والنذور لها ولسدنتها

وكهنتها، فلا يحسبن الجاهل بالتاريخ وبعقائد الملل والنحل أو التعبدات فيها أن علماء

وثنيي الهند يعتقدون أن هذه الأشياء تنفع وتضر بنفسها، وأنهم ليس لهم فلسفة في

عبادتها» [61].

بهذا يتبين أن اختلاط المسلمين بغيرهم، ومساكنتهم لهم ودخول كثير منهم في

الإسلام مع بقاء بعض العادات الجاهلية سبب من الأسباب التي أدت إلى انتشار

الاهتمام بالآثار.

هذه بعض الأسباب التي أدت إلى انتشار الاهتمام بالآثار والبحث عنها في

بلاد الإسلام حتى عمت البلوى بها في كل مكان حتى لا تكاد ترى من يسلم من ذلك

إلا من وفقه الله لسلوك سبيل المؤمنين الموحدين.

فنسأل الله - تعالى - أن يصلح حال الأمة، وأن يزيل عنها الغمة، وينصر

السنة ويقمع البدعة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(1) انظر: مقياس اللغة (1/ 53)، لسان العرب (4/ 5)، مفردات ألفاظ القرآن، ص 62.

(2) المعجم الوجيز، ص 5.

(3) مجموع الفتاوى (11/ 18).

(4) مجموع الفتاوى (26/ 144).

(5) أخرجه البخاري (2478).

(6) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (3/ 338 339).

(7) مجموع الفتاوى (27/ 170 171) بتصرف، وقد ذكرها أيضا بسياق أتم في (27/ 270)، وقال: «رواه يونس بن بكر في: (زيادات مغازي ابن إسحاق) عن أبي خلدة خالد بن دينار حدثنا أبو العالية قال» ثم ذكر الخبر.

(8) الفتاوى (27/ 271).

(9) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 809.

(10) شبه جزيرة العرب (4/ 1188).

(11) معجم البلدان (5/ 400) وما بعده، وانظر: الموسوعة العربية العالمية (1/ 98).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير