تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[الحاجة إلى التفسير]

ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[15 - 09 - 06, 04:17 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) سورة البقرة، الآية 32.

إن مشروعية التساؤل عن مدى حاجتنا للتفسير تنطلق من كوننا نجد بعض الآيات القرآنية تشير إشارة واضحة إلى أن القرآن الكريم واضح الأهداف، بين الغايات، لا من قبيل الطلاسم والمعميات، فهو الوضوح، والنور والهدى. ولكننا عندما نلقي نظرة عما خلفه لنا الرهط المؤمن من علماء الأمة في مجال التفسير نذهل لعظمة هذا التراث. فما السر إذن في تعاطي المسلمين لهذا العلم الشريف رغم أن القرآن يصرح بأنه واضح ليس بعده بيان، وميسر ليس بعده يسر، يقول تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}؟ (1).

ويمكننا أن نحدد الأسباب التي جعلت من التفسير ضرورة ملحة لفهم القرآن الكريم الذي هو مناط العلوم الشرعية في أربع نقط أساسية:

1 - تدبر القرآن وفهمه واجب شرعي على كل مسلم ومسلمة، ونتبين ذلك من قوله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب} (2). وقوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} (1).

وقوله عز وجل: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مذكر} (1).

2 - كان الدين واضحا في ذهن المسلمين، وبسبب عوامل سياسية معروفة لدينا نشأت فرق مبتدعة من شيعة وخوارج ومرجئة وقدرية وجبرية وغيرها مما جعلها تتجرأ على القرآن وتستمد منه شرعيتها. كما أن الدخلاء على الإسلام من أصحاب الثقافات المشرقية أو اليونانية كانوا وراء التفسير المغرض والتأويل الفاسد لآي الذكر الحكيم. وفي ذلك يقول ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: " إن السلف كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان، فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرق والاختلاف صار أهل التفرق، والإختلاف شيعا، صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم، عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر، والإيمان بالرسول وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه. فلهذا نجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى، إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر على ذلك، والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها بشروع من قصد ردها كيف أمكن، ليس مقصوده أن يفهم مراد الرسول، بل أن يدفع منازعه عن الإحتجاج بها" (2).

كل ذلك جعل علماء الأمة الغيورين يتصدون لهذه التيارات المناوئة وذلك بتفسيرهم للقرآن الكريم تفسيرا يكشف في وضوح كليات العقيدة الإسلامية ويبين للناس طريق الهدى وسبل الرشاد.

3 - إن الحياة دائمة التطور في كافة المجالات، علميا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، مما يحتم علينا الرجوع إلى القرآن الكريم نتلمس فيه القول الفصل في هذه الأمور التي استجدت.

وفضلا عن ذلك فإن القرآن الكريم قد ضمنه الله سبحانه وتعالى علوم الدين والدنيا "وما يتصل بهما من المعارف ما تتفاوت في إدراكه عقول الناس وما لا يزال الزمن والبحث يكشف عن درره وجواهره، ويبين غرائبه وعجائبه {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} سورة فصلت: الآية 53. (1).

4 - تفشي اللحن وانتشار العامية بالبعد عن الفصحى، جعل من التفسير ضرورة ملحة لفهم القرآن الكريم الذي هو منهاج المسلم في حياته. فلا يمكن أن يتبعه ويحكمه في حياته مالم يتفهمه وما لم يتضح في ذهنه. وبعد ذلك تأتي عملية التدبر المفضية إلى العمل والإتباع.

وللإمام السيوطي قول في هذا المعنى يبين فيه أسباب احتياج المسلمين إلى التفسير، يقول رحمه الله:"وأما وجه الحاجة إليه فقال بعضهم: أعلم أن من المعلوم أن الله إنما خاطب خلقه بما يفهمونه. ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه. أنزل كتابه على لغتهم، وإنما احتيج إلى التفسير لما سيذكر بعد تقرير قاعدة وهي أن كل من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح، وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة:

أ- كمال فضيلة المصنف. فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز، فربما عسر فهم مراده فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية، ومنهنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له.

ب- إغفاله بعض تتمات المسألة أو شروط لها اعتمادا على وضوحها أو لأنها من علم آخر فيحتاج لبيان المحذوف ومراتبه.

ح- احتمال اللفظ لمعان كما في المجاز والاشتراك ودلالة الالتزام. فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه، وقد يقع في التصانيف ما لا يخلو عنه بشر من السهو والغلط أو تكرار الشيء أوحذف المبهم وغير ذلك، فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك.

إذا تقرر هذا نقول: إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي صلى الله عليه و سلم في الأكثر كسؤالهم لما نزل قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} (1). قالوا: وأينا لم يظلم نفسه؟ ففسره النبي صلى الله عليه و سلم بالشرك (2)، واستدل عليه بقوله صلى الله عليه و سلم: {إن الشرك لظلم عظيم} ... (3) وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه. ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلم فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير" (4).

من كل ما سبق يتبين لنا أن تفسير القرآن الكريم ضرورة يفرضها الأمر بالتدبر والتذكر والإعتبار ومعرفة شرع الله كمنطلق أساسي لتحكيمه في واقعنا كما يفرضه جهلنا بعلوم اللغة وعلوم القرآن، وأخيرا تفرضه ظروف المواجهة والتحدي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير