وما ذكره بعضهم من الإجماع على تفضيل قبر من القبور على المساجد كلها، فقول محدث في الإسلام، لم يعرف عن أحد من السلف، ولكن ذكره بعض المتأخرين، فأخذه عنه آخر وظنه إجماعا؛ لكون أجساد الأنبياء أنفسها أفضل من المساجد. فقولهم يعم المؤمنين كلهم، فأبدانهم أفضل من كل تراب في الأرض، ولا يلزم من كون أبدانهم أفضل أن تكون مساكنهم أحياء وأمواتا أفضل، بل قد علم بالاضطرار من دينهم أن مساجدهم أفضل من مساكنهم.
وقد يحتج بعضهم بما روي من: (أن كل مولود يذر عليه من تراب حفرته)، فيكون قد خلق من تراب قبره. وهذا الاحتجاج باطل لوجهين:
أحدهما: أن هذا لا يثبت، وما روي فيه كله ضعيف، والجنين في بطن أمه يعلم قطعا أنه لم يذر عليه تراب، ولكن آدم نفسه هو الذي خلق من تراب، ثم خلقت ذريته من سلالة من ماء مهين. ومعلوم أن ذلك التراب لا يتميز بعضه لشخص وبعضه لشخص آخر، فإنه إذا استحال وصار بدنا حيا لما نفخ في آدم الروح فلم يبق ترابا. وبسط هذا له موضع آخر.
/والمقصود هنا التنبيه على مثل هذه الإجماعات التي يذكرها بعض الناس، ويبنون عليها ما يخالف دين المسلمين؛ الكتاب والسنة والإجماع.
الوجه الثاني: أنه لو ثبت أن الميت خلق من ذلك التراب، فمعلوم أن خلق الإنسان من مني أبويه أقرب من خلقه من التراب، ومع هذا فاللّه يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي؛ يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، فيخلق من الشخص الكافر مؤمنا نبيا وغير نبي، كما خلق الخليل من آزر، وإبراهيم خير البرية هو أفضل الأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وآزر من أهل النار، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يلقي إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، فيقول إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني؟ فيقول له: فإليوم لا أعصيك. فيقول إبراهيم: يا رب، ألم تعدني ألا تخزيني، وأي خزي أخزي من أبي الأبعد؟! فيقال له: التفت، فيلتفت، فإذا هو بذيخ عظيم، والذيخ ذكر الضباع، فيمسخ آزر في تلك الصورة، ويؤخذ بقوائمه فيلقي في النار، فلا يعرف أنه أبو إبراهيم). وكما خلق نبينا صلى الله عليه وسلم من أبويه، وقد نهي عن الاستغفار لأمه، وفي الصحيح: أن رجلا قال له: أين أبي؟ قال: (إن أباك في النار)، فلما أدبر دعاه فقال: (إن أبي وأباك في النار). وقد أخرج من نوح وهو /رسول كريم ابنه الكافر الذي حق عليه القول، وأغرقه، ونهي نوحا عن الشفاعة فيه. والمهاجرون والأنصار مخلوقون من آبائهم وأمهاتهم الكفار.
فإذا كانت المادة القريبة التي يخلق منها الأنبياء والصالحون لا يجب أن تكون مساوية لأبدانهم في الفضيلة؛ لأن اللّه يخرج الحي من الميت فأخرج البدن المؤمن من مني كافر، فالمادة البعيدة وهي التراب أولي ألا تساوي أبدان الأنبياء والصالحين، وهذه الأبدان عبدت اللّه وجاهدت فيه، ومستقرها الجنة. وأما المواد التي خلقت منها هذه الأبدان فما استحال منها وصار هو البدن فحكمه حكم البدن، وأما ما فضل منها فذاك بمنزلة أمثاله.
ومن هنا غلط من لم يميز بين ما استحال من المواد فصار بدنا، وبين ما لم يستحل، بل بقي ترابا أو ميتا. فتراب القبور إذا قدر أن الميت خلق من ذلك التراب فاستحال منه وصار بدن الميت، فهو بدنه، وفضله معلوم. وأما ما بقي في القبر فحكمه حكم أمثاله، بل تراب كان يلاقي جباههم عند السجود ـ وهو أقرب ما يكون العبد من ربه المعبود ـ أفضل من تراب القبور واللحود. وبسط هذا له موضع آخر.
)
)
انتهى
ـ[الدرة]ــــــــ[02 - 07 - 04, 09:14 م]ـ
أخي ابن وهب حفظك الله
ذكرتم أن كتاب الفنون مطبوع ففي أي دار؟ حبذا تزويدي بمعلوات عن الكتاب
وجزاكم الله خيراً
ـ[((العجيب))]ــــــــ[03 - 07 - 04, 05:24 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الفاضل ابن وهب
ولكن هل هناك أقوال أخرى؟
وخاصة للأئمة الأربعة؟
ـ[مهند الهاشمي الحسني]ــــــــ[18 - 11 - 06, 02:58 ص]ـ
تنبيه من المشرف:
هذه المشاركة فيها نقولات فيها نظر، وإنما أبقيناها ليتسنى للإخوة الإطلاع عليها وبيان مخالفتها للعقيدة الصحيحة.
بسم اله الرحمن الرحيم
¥