السبب الأول: عدم تتبع كلام شيخ الإسلام – رحمه الله في جميع كتبه ورسائله، فهو رحمه الله لما استطرد في بيان أدلة من قال بفناء النار ظنّ البعض أن هذا هو قول شيخ الإسلام، أو أنه يميل إليه، لكنه لا يصرح به. فالكتاب قائم على حكاية قول القائلين بفناء النار على هيئة مناظرة وحوار، فذكر أدلة الطائفتين، وحين ذكر أدلة القائلين بفناء النار عرضها عرضاً يوحي بأنه منهم، ويستند هذا التعليل إلى أمور منها:
أ - أن ابن القيم رحمه الله حين ذكر أدلة القائلين بأبدية النار ودوامها وبدأ مناقشة هذه الأدلة، صرّح بأنه يحكي هذا القول فقال: (قال أصحاب الفناء: الكلام على هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة).
وحين انتهى من ذكر مناقشاتهم قال: (فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة) ب - أن ابن تيمية رحمه الله ذكر في أبدية النار اتفاق سلف الأمة، وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على هذا، ولا يسع ابن تيمية رحمه الله وأمثاله أن يخالف هذا الاتفاق، ولا سيما أنه حكى قول القائلين بالفناء بأنه يحتج على فناء النار بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، مع أن القائلين ببقائها ليس معهم كتاب ولا سنة، ولا أقوال الصحابة، فكيف يحكي الاتفاق والإجماع على مسألة، ويركز عليها في كتبه المتعددة. ثم هو يقول بهذا النص، لا شك أن هذا النص هو حكاية لقول القائلين بالفناء لا أنه يرتضيه.
ج - يتفق ابن تيمية رحمه الله وابن القيم أنهما حكيا قول القائلين بالفناء، وذلك؛ لأن ابن القيم نقل أغلب كلام ابن تيمية رحمه الله الذي ذكره في كتابه (الرد على من قال بفناء الجنة والنار)، وذلك بعدما سأل ابن القيم (ت - 761هـ) شيخه ابن تيمية رحمه الله عن هذه المسألة، ثم يجمعهما - أيضاً - أنهما قالا بقول أهل السنة والجماعة في أبدية النار في مواضع متعددة من كتبهما.
السبب الثاني: الكلام المحتمل غير الصريح في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وابن القيم، فقد يفهم فاهم بأن هذا هو قوله في هذه المسألة.
وأنبه في نهاية البحث: إلى أهمية معرفة أن القول بفناء النار لا يسلم بأنه كفر، كما يزعمه كثير من خصوم شيخ الإسلام الذين يكفرونه بذلك، بل هذه المسألة فيها اشتباه وآثار متعددة اشتبهت على كثير من العلماء ومنهم باحثون معاصرون، وقالوا بفناء النار، واستندوا إلى الآثار المروية في ذلك عن بعض الصحابة والتابعين التي يفهم منها القول بفناء النار، فاجتهدوا في هذه المسألة، وإن كانوا مخطئين لكنهم لا يكفرون بذلك. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
مراجع لهذه المسألة:
1 – الاعتبار ببقاء الجنة والنار.
تأليف: للحافظ الإمام علي بن عبد الحافظ السبكي.
2 – رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار.
تأليف: محمد بن إسماعيل الصنعاني.
3 – توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين.
تأليف: مرعي بن يوسف الحنبلي.
4 – شرح العقيدة الطحاوية.
5 – دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية.
تأليف: د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن.
6 - تنبيه المختار على عدم صحة القول بفناء النار عن الصحابة الأخيار
تأليف: الشيخ سليمان بن ناصر العلوان.
1 - الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج 4/ 69.
2 - فتح الباري شرح صحيح البخاري 11/ 440.
3 - أصول السنة، لإبن أبي زمنين، صفحة 19 و ما بعدها.
4 - شرح السنة ص33.
5 - الشريعة ص399 - 400.
6 - شرح العقيدة الطحاوية ج 1 - صفحة 420.
7 - والذي يظهر – والعلم عند الله – أنّ هذا القول لم يشتهر عن أحد من السلف إلا ما نسب لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمة الله عليهما – وهذا لا يصح عنهما، كما سيتبين خلال هذا البحث. ولعلّ كلام ابن أبي العز الحنفي حينما نسب هذا القول لبعض السلف لم يبين من هم السلف، و كأنه متردد – رحمه الله – في نسبة القول بفناء النار لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله -، و أما ما نُسب لبعض أهل التفسير فإن معظمهم تكلم على الآية التي جاء في سوة الأنعام، والآية الأخرى التي جاءت في سورة هود، ففهموا من الاستثناء القول بفناء النار، كما أيدوا هذا الفهم بالأقوال التي وردت عن الصحابة – رضوان الله عليهم – والتحقيق أنه لا يصح نسبة هذه الأقوال للصحابة فهي ضعيفة، وما صحً منها لا يفهم القول بفناء النار، و ممن جمع آثار الصحابة في هذه المسألة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان في رسالة له بعنوان: تنبيه المختار على عدم صحة القول بفناء النار عن الصحابة الأخيار. وقد قال ابن حجر – رحمه الله – كما في الفتح: 11/ 429 وما بعدها (وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول – يعنى القول بالفناء – وهو مذهب ردىء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي في بيان وهائه فأجاد .... ). فالحافظ رحمه الله تعالى لم ينسب هذا القول لشيخ الإسلام ابن تيمية كما ردً ابن حجر على شيخ الإسلام في مسألتين – كما في الفتح – وكان الصواب فيها مع شيخ الإسلام ابن تيمية ومن المعلوم كذلك: أنً السبكي كان من أعداء شيخ الإسلام ابن تيمية في وقته السبكي، ومع ذلك لم يتهمه بهذه التهمة، قال الألوسي – رحمه الله – في كتابه جلاء العينين في محاكمة الأحمدين: (إنً أكثر المنتقدين من المعاصرين وأشدهم من الوقوع فيه – أي: ابن تيمية – الإمام السبكي).
8 - انظر تفسير القرطبي [جزء 7 - صفحة 75] حيث قال: (وقال ابن عباس: الاستثناء لأهل الإيمان فما على هذا بمعنى من)
وكذلك انظر: توقيف الفريقين على خلود أهل الدارين صـ 43.
9 - انظر رسالة تنبيه المختار على عدم صحة القول بفناء النار عن الصحابة الأخيار.
10 - حادي الأرواح ص255.
11 - حادي الأرواح ص283.
12 - انظر: الرد على من قال بفناء الجنة والنار ص67.
13 - انظر: شفاء العليل لابن القيم ص551 - 552.
¥