[حقيقة اختلاف السلف في تفسير القرآن الكريم]
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[15 - 09 - 06, 04:51 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين
(سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) سورة البقرة، الآية 32
بين أهل السنة ـ خاصة منهم ابن تيمية في رسالته " مقدمة في أصول التفسير " والزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن " والسيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " ـ أن السلف لم يختلفوا في تفسير القرآن الكريم، بل قد يكون ذلك ممتنعا في حقهم لأنهم كانوا معتصمين بالكتاب والسنة. ولما قرروا هذا الأصل راحوا يوضحون أن اختلافهم في تفسير آية من آيات الذكر الحكيم ليس اختلافا تضاد بل هو اختلاف تنوع، وفي ذلك يقول الزركشي: " يكثر في معنى الآية أقوالهم واختلافهم، ويحكيه المصنفون للتفسير بعبارات متبانية الألفاظ، ويظن من لا فهم عنده أن في ذلك اختلافا فيحكيه أقوالا وليس كذلك، بل يكون كل واحد منهم ذكر معنى ظهر من الآية، وإنما اقتصر عليه لأنه أظهر عند ذلك القائل، أو لكونه أليق بحال السائل، وقد يكون أحدهم يخبر عن الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته، والكل يؤول إلى معنى واحد غالبا، والمراد الجميع فليتفطن لذلك، ولا يفهم نم اختلاف العبارات اختلاف المرادات " (1).
إلا أن ابن تيمية في رسالته يعترف أن هناك اختلافا محققا بين السلف في التفسير خاصة فيما يتعلق بالأحكام. ولكنه يرى أن اختلافهم قليل جدا وهذا يعود ـ في نظره ـ إلى شرف عصرهم. وهو في ذلك يتأول حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " (1). وهو يقول في ذلك: " كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وهو إن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة فهو قليل إلى من بعدهم، وكلما كان العصر أشرف كان الإجتماع والإئتلاف والعلم والبيان فيه أكثر" (2).
وبعد أن بين ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن اختلاف السلف في التفسير قليل وغلطهم يسير بالمقارنة مع اختلاف وغلط من جاء بعدهم، وأرجع ذلك إلى عتصامهم بالكتاب والسنة، ونقاء سريرتهم، وصلاحهم وتقواهم، مما عبر عنه بصلاح عصرهم، انتقل إلى بيان أن اختلافهم
في التفسير هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وأرجع ذلك لأمور نجملها فيما يلي:
1 - تعبيرهم عن المراد بألفاظ بين المترادفة والمتباينة، وإن كان في كل منها إضافة دلالية ليست في الأخرى ولكنها تؤول إلى عين الشيء، من ذلك أسماء الله الحسنى، وأسماء الرسول صلى الله عليه و سلم وأسماء القرآن فهي كلها تدل على مسمى واحد (1). وإن كان بينها فروق دلالية واضحة، لكنها لا ترقى إلى أن تجعلها ألفاظا متباينة. وبعد هذا الطرح النظري يضرب لذلك مثلا عمليا فيقول: " مثال ذلك تفسيرهم للصراط المستقيم، فقال بعضهم: هو القرآن - أي اتباعه ... وقال بعضهم هو الإسلام. فهذان القولان متفقان لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن، ولكن كل منهما نبه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ " صراط " يشعر بوصف ثالث. وكذلك قول من قال: هو السنة والجماعة، وقول من قال: هو طريق العبودية، وقول من قال: هو طاعة الله ورسوله صلى الله عليه و سلم وأمثال ذلك، فهؤلاء كلهم أشاروا إلى ذات واحدة لكن وصفها كل بصفة من صفاتها" (2).
2 - أن يكون اللفظ عاما فيذكرون بعض أنواعه على سبيل التمثيل لا على سبيل المطابقة: " الصنف الثاني أن يذكر كل منهم الاسم العام ببعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثل سائل أعجمي سأل عن مسمى لفظ " الخبز " فأرى رغيفا، وقيل له: هذا، فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى الرغيف وحده.
مثال ذلك ما نقل في قوله: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} (1). فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيع للواجبات والمنتهك للحرمات. والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات. والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات. فالمقتصدون أصحاب اليمين والسابقون أولئك المقربون.
¥