تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبوحاتم]ــــــــ[19 - 08 - 04, 08:28 ص]ـ

الأخ الكريم أبو أميرة (محب العلم) وفقه الله

لن أعتب عليك كثيرا في إصرارك على فهم كلام ابن حزم هكذا؛ لأن هذا هو الفهم المشتهر بين كثير من المعاصرين , وترك المألوف شديد.

وأرجو أن يكون فيما ذكرتُه في شرح كلام أبي محمد ما يدعوك إلى إنعام النظر فيه مرة أخرى بعيدا عن حماسة الحوار. ولا تستعجل فالليل طويلٌ وأنت مُقْمِر.

فلننتقل إلى النص الثاني ..

هذا النص والنصوص المشابهة عن بعض أئمة الدعوة النجدية (اعتبرتها كلها شيئا واحدا؛ لنقل بعضهم عن بعض , واتحاد طريقتهم) , التي فيها حكاية إجماع أهل العلم واتفاقهم , لا تصلح لإفادة وقوع الإجماع على أن مطلق إعانة الكفار على المسلمين كفر أكبر , وإنما هي في حقيقة الأمر دعوى أطلقها أولهم بناء على فهمه لا على نقله , فتابعه الآخرون.

وبيان ذلك من وجوه:

1 - أن الإجماع الذي هو حجة في دين الله هو اتفاق مجتهدي عصر من العصور من أمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على حكم شرعي. وفي ضبطه وإمكانية وقوعه ونقله خلافٌ طويل.

فهل هذا الإجماع الذي يحكيه عالم في نهاية القرن الثالث عشر عن أهل العلم مطلقا , ثم لا نجد القول به منصوصا مشهورا عن أئمة العلم , بل نجد مخالفة بعضهم لبعض ما تضمنه = يصح أن يكون حجة في دين الله , وفي إخراج مسلم من دائرة الإسلام إلى الكفر؟!

فما دام أنه إجماع حقيقي منقول عن أفرادهم (وليس فهما كما أقول) فلا بد أن يكون معروفا عن أهل العلم , منصوصا عليه في كتبهم , المشهورين منهم على الأقل ..

فأين هي أقوال هؤلاء العلماء الناصة على هذه المسألة؟!

أفاطَّلع أئمة الدعوة على كتبٍ غير التي وصلتنا , أم رووا تلك الأقوال بالأسانيد المتصلة إلى أصحابها؟!

إن هذا لشيء عجاب.

إنني لا أحيف إذا قلت: إن من يزعم أن ما حكاه أئمة الدعوة من الإجماع في هذه المسألة هو إجماع حقيقي تقوم به الحجة = قد جانب الإنصاف.

2 - أن إطلاقهم القول بأن أهل العلم أجمعوا على أن كل إعانة للكفار على المسلمين هي كفر = منقوض بمخالفة بعض أهل العلم له في بعض الصور. (مع عدم التسليم بأن ما نقله أئمة الدعوة هو إجماع حقيقي يحتاج إلى نقل خلافه عن أحد).

فإن إفشاء الأسرار الحربية للكفار في حربهم مع المسلمين , ودلالتهم على عورات المسلمين , لا شك في أنه إعانة ظاهرة لهم , بل هو يسمى في عرف اليوم ((الخيانة العظمى)) , وقد ينشأ عنه من الضرر الذي يلحق بالمسلمين شيء كثير من إزهاق الأنفس واستباحة الحرمات , وهو أشد على المسلمين - ولا ريب - من أن يقاتل ذاك الجاسوس بنفسه مع العدو ضده.

فإذا كان جمهور أهل العلم لم يكفِّروا الجاسوس الذي يفعل هذا الفعل الشنيع العظيم الضرر , فهل سيكفِّرون من أعانهم بإيقاد عود كبريت , أو ببندقية؟! وهل في الشرع مثل هذا؟!

وتأمل كلام الإمام الشافعي الآتي وتدبره ولا تقرأه قراءة المنتقد المعتقد سابقا أنه خطأ.

في كتاب ((الأم)) (4/ 249): ((أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو بالعورة من عوراتهم , هل يحل ذلك دمه , ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين؟

قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفراً بيناً بعد إيمان ثم يثبت على الكفر.

وليس الدلالة على عورة مسلم , ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين = بكفر بيِّن.

فقلت للشافعي: أقلت هذا خبراً أم قياساً؟ قال: قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي أن يخالفه , بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب.

فقيل للشافعي: فاذكر السنة فيه.

(فساق حديث حاطب) ثم قال: في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون؛ لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام، وأنه فعله ليمنع أهله، ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام، واحتمل المعنى الأقبح = كان القول قوله فيما احتمل فعله.

وحكم رسول الله فيه بأن لم يقتله , ولم يستعمل عليه الأغلب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير