رجل من المسلمين أغراه الكفار بمال عظيم وطلبوا منه مقابله أن ينقل لهم أخبار المسلمين ويدلهم على عوراتهم ومكامن الضعف فيهم فتأول بأنه سيأخذ المال لينتفع به وسينقل للكفار أخبارا لاتنفعهم ويدلهم على عورات لايفيد كشفها شيئا بل قد يضر الكفار، فيكون ثمن الصاروخ – مثلا – الذي يضرب به الكفار مكانا ما للمسلمين أغلى قيمة من المكان الخرب الذي دلهم عليه، وهو هنا لايعرف مافي نفس الأمر فقد يكون هذا المكان الخرب الذي يدلهم عليه يحوي قائدا من قواد المسلمين ويكون ضارا جدا بهم،فصورة الاعانة هنا خفية تحتمل التأويل، وأصل التجسس ليس بإعانة على الحقيقة، وإنما هو كفعل حاطب، فهو فعل خفي لايمكن أن تعلق به أحكام القتل والتكفير قبل الاستفصال،وتأمل قول الشافعي رحمه الله فيما نقلته عنه:
" ليس بكفر بين " فمفهوم القيد يفيد أنه كفر أو محتمل للكفر.
والذين قالوا بقتل الجاسوس لم يقتلوه لأجل كفره بل لأجل جاسوسيته، وجعلوا حديث حاطب دليلا على القتل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل عصمة دم حاطب بشهوده بدرا، فدل على أن مقتضى القتل قد وجد وعارض سبب العصمة، لكن عارض هذا المقتضي مانع،وهذا المانع مفقود في غير حاطب رضي الله عنه وهو مبني على الخلاف في التعليل بالمانع هل يفتقر إلى قيام المقتضي كما نبه إليه ابن القيم رحمه الله في: " بدائع الفوائد ".
فوصف الاعانة ليس منطبقا انطباقا ظاهرا على الجاسوس حتى يحكم بكفره أو بعدم كفره، بل فعله محتمل للاعانة ولعدمها،فإن كان تجسسه قد وصل حد الاعانة فإنه يكون قد فعل كفرا مناطه الاعانة لامطلق التجسس، ويكون تأوله عاصما لدمه – عند القائلين به – ومانعا للتكفير عند الجميع، لأن أصل التجسس محتمل للاعانة وعدمها.
وهذا خلاف الاعانة الظاهرة كالدخول مع الكفار في قتالهم أو في حلفهم ولو لم يقاتل ثم التزام اعانتهم بالمال والرأي، فهذا ليس من الجاسوسية في شئ، وهو محل النزاع.
وقل مثل هذا في الرأي فإنه إن كان تضليلا للكفار لم يكن إعانة،وإن كان اخبارا بمايعلم انتفاع الكفار به كان كفرا لايبيحه الا الاكراه، وعلى هذا فقس.
على أنه ينبغي أن تعلم أن قتل من أعان الكفار ليس متوقفا على تكفيره، وهذا راجع لظن التلازم بين التكفير والقتل.
فالمعين للكفار الذي تحقق فيه وصف الاعانة حقه القتل على كل حال، وحقه المقاتلة إن كان في صف الكفار، وقد خلط بعض المتأخرين بين حكم الجاسوس وحكم المعين للكفار لماسبق بيانه في أول المقال من قياس الزنا على المباشرة والقتل على ضرب الوجه!
والخلاف في أيهما أولى بالقتال المعين للكافر أو الكافر هو كالخلاف في أيهما اولى بالتقديم البخاري أم مسلم!
تشاجر قوم في عميل وسيد ## لدي وقالوا أي ذين نجاهده
فقلت لقد فاق العميل أذية ## كما فاق في صدق العداوة سيده
وبُعث لأحد علية المتأخرين ممن ينكر قتال من كان في صف الكفار من المنافقين:
هديت فلو خيرت بين مسالم ## عميل بدينار وعلج مرافق
لأعرضت عن وجه الصليبي جاهدا ## وأسكنت رمحي في فؤاد المنافق
فبعث مجاوبا:
جهادهم بالقول لم يك قتلهم ## بشرع على نهج الحنيف بصادق!!
فتأمل كيف جعل المرتد الذي يظهر كفره واذاه كالمنافق الذي يتخفى بكفره.
والحاصل أن الخلاف في قتل الجاسوس لايصلح لنقض الاجماع على التكفير بمطلق الاعانة ? لاختلاف محل المسألة ? ولأن الدعوى أعم مما استدل به.
فهو كمن يستدل على عدم كفر من استعان بالشياطين وتقرب إليهم بالذبح بالخلاف في بعض صور السحر وفي حكم قتل الساحر.
===========================
ومانقلته أخي الكريم عن شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله فليس هذا محله، وإنمامحله عند الانتقال عن مبحث الاجماع إلى الادلة وأقوال أهل العلم، إلا إذا كنت تعتبره خلافا للاجماع فهذا مالم تنص عليه فإن كان كذلك فبين.
وإلا فالليل طويل وأنت مقمر!
===========================
وأما ماذكرته أعلاه فلي رجعة - بإذن الله - لمناقشته، ثم مواصلة الكلام في الاجماع أو الانتقال - إن شئت -لمبحث الأدلة.
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[21 - 08 - 04, 01:22 ص]ـ
الأخ الكريم أبو أميرة (محب العلم) وفقه الله
كان الله في عونك , فقد ارتقيت مرتقا صعبا.
¥