فأهل العلم رحمهم الله تعالى يفرقون بين معنى (الدلالة) ومعنى (الاعانة) في أبواب متفرقة من الفقه، كجزاء الصيد في كتاب الحج وباب المشاركة في القتل في كتاب الجنايات وغيرها.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (1/ 689 ومابعدها ط. بيت الأفكار الدولية):
" ولاتحل له - أي المحرم - الإعانة على الصيد بشئ فإن في حديث أبي قتادة التفق عليه: " ... فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، قالوا: والله لانعينك عليه، وفي رواية: فاستعنتهم فأبوا أن يعينونني " وهذا يدل على أنهم اعتقدوا تحريم الاعانة، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك، ولأنه إعانة على محرم فحرم كالإعانة على قتل الآدمي.
ويضمن الصيد بالدلالة ... روي ذلك عن علي وابن عباس ... ، وقال مالك
و الشافعي: لاشئ على الدال لأنه يضمن بالجناية ولا يضمن بالدلالة كالآدمي.
.
ثم قال: " ولو كان المدلول رأى الصيد قبل الدلالة والإشارة، فلاشئ على الدال والمشير، لأن ذلك لم يكن سببا في تلفه، ولأن هذه ليست دلالة على الحقيقة "
فتأمل أخي الفاضل كيف أن هناك ماصورته دلالة وهوليس بدلالة على الحقيقة فلاتتعلق به أحكام الدلالة، وهناك أيضا ماصورته إعانة ولاتتعلق به أحكام الإعانة على الحقيقة كماهو فعل حاطب رضي الله عنه وكما هو حال الجاسوس إذ صورة فعله هي الدلالة لا الإعانة، وهي محتملة للاعانة.
ثم قال ابن قدامة رحمه الله:
" فإن أعار قاتل الصيد سلاحا، فقتله به، فهو كمالو دله عليه ... وكذلك لو أعانه عليه ... ".
ففرق بينهما في المعنى والحكم.
فليت شعري! أيفرق بينهما في التضمين بذبح عنز مكان وعل، ولايفرق بينهما في تكفير مسلم وذبحه!
وهل تظن بارك الله فيك أن (الدلالة) مرادفة (للاعانة) من كل وجه، أو هي صورة من صورها على كل حال!
أفرأيت القرطبي رحمه الله يقول: ولو تكررت منه الدلالة فإنه لا يكفر إذا كان لغرض دنيوي كماقاله القرطبي في تفسيره عند آية الممتحنة، ثم يقول هو نفسه عند قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم): " أي يعضدهم على المسلمين (فإنه منهم) ... وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد "!
أرأيته لايفرق بين من عضد ومن دل!
وقد تبين مماسبق أنه ليس كل دلالة إعانة، فقد تكون إعانة وقد تكون دون ذلك.
فصح بهذا أن كل صورة من صور التجسس لغة واصطلاحا فهي محتملة للاعانة وعدمها، سواء كانت دلالة أو إخبارا أو غيرها.
ولولا الحال التي ذكرت لك من قبل وقلة الوقت والمراجع بين يدي لبسطت لك الجواب هنا على ماتحب، ولكن للحديث صلة فلاتعجل.
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[22 - 08 - 04, 10:53 م]ـ
الأخ الكريم أبو أميرة (محب العلم) وفقه الله
تقول: ((ليس كل دلالة إعانة، فقد تكون إعانة وقد تكون دون ذلك)).
طيب .. متى تكون الدلالة إعانة؟ ومتى لا تكون؟
لا بد من بيان هذا حتى يتضح قولك , ونعرف متى يكون التجسس إعانة عندك ومتى لا يكون. ثم ننظر هل الفقهاء (أو الشافعي) خصوا صورة من صورة عند كلامهم عن الجاسوس.
وسأعود إلى مناقشة تعقيبك بعد هذا؛ لأن فهم كلامك الآن على وجهه أولى بالتقديم.
ولا تنس احتساب الأجر في الإجابة عن استشكالاتي.
ألم أوصك بهذا أول الحوار؟!
ثم إن أسئلتي إنما تكون فيما يتعلق بموضع البحث , لا بشيء خارجي.
ـ[أبوحاتم]ــــــــ[23 - 08 - 04, 01:56 ص]ـ
وإلى أن يبين الأخ الكريم أبو أميرة وفقه الله متى تكون الدلالة والتجسس إعانة ومتى لا تكون , هذا تعليق على ما أتحفنا به من تفريق أهل العلم بين معنى الدلالة ومعنى الإعانة.
أولا: لم أقل أنا ولا أحد ممن يعقل ما يقول: إن الدلالة مرادفة للإعانة.
فإذا عُلِم هذا فلا داعي لقولك: ((وهل تظن بارك الله فيك أن (الدلالة) مرادفة (للاعانة) من كل وجه)).
وإنما أنا أقول وكل من يعقل ما يقول: إن الدلالة فردٌ من أفراد الإعانة , وصورة من صورها.
¥