تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالتأويل معناه هنا تحقق هذه الأمور الغيبية التي أخبر بها القرآن الكريم، على ما هي عليه في واقع أمرها، يقول ابن تيمية: ثم قال: {هل ينظرون إلى تأويله} إلى آخر الآية، إنما ذلك مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها: كالدابة ويأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ومجيء ربك والملك صفا صفا، وغير ذلك، فحينئذ يقولون: {قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل} (1)، وهذا القدر الذي أخبر به القرآن من هذه الأمور لا يعلم وقته وقدره وصفته إلا الله " (2).

فهذه الحقائق الغيبية الكبرى يتعذر على الإنسان إدراكها، ومن ثم يستحيل تأويل أمثالها مما ورد في القرآن الكريم.

ثانيا: مفهوم التأويل عند السلف:

وأما التأويل عند السلف فله معنيان: الأول: هو نفس مفهوم التأويل في القرآن الكريم، وأما المعنى الثاني عندهم فهو مرادف للفظ التفسير. وفي ذلك يقول ابن تيمية: "وأما التأويل في لفظ السلف فله معنيان: "أحدهما " تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالفه فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقاربا أو مترادفا.

وهذا ـ والله أعلم ـ هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله. ومحمد ابن جرير يقول في تفسيره: القول في تأويل قوله كذا وكذا. واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك ومراده التفسير.

و"المعنى الثاني " في لفظ السلف وهو الثالث من مسمى التأويل مطلقا: هو نفس المراد بالكلام فإن الكلام إن كان طلبا تأويله نفس الفعل المطلوب وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به " (1).

ثالثا: مفهوم التأويل عند الخلف:

"التأويل في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم، هو صرف اللفظ عن المعنى الراجع إلى المعنى المرجوح لدليل يعترن به، وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف، فإذا قال أحدهم: هذا الحديث أو هذا النص مؤول أو هو محمول على كذا. قال الآخر: هذا نوع تأويل، والتأويل يحتاج إلى دليل" (2).

وهذا المعنى للتأويل معنى مبتدع، وهو يشكل خطورة كبيرة على عقيدة الامة الإسلامية، وعلى كيانها وسيادتها، إذ أخذ مطية من طرف الروافض، وملاحدة الفلاسفة وغلاة الصوفية، وبالأخص من طرف موثوري الشعوب الدخيلة - لمحاربة الدين الإسلامي، وزعزعة الأمن والنظام في البلاد الإسلامية، ومن ثم وجدنا ابن تيمية يرفضه فيقول: " والتأويل المردرد هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره " (1).

ويعقد ابن تيمية مقارنة بين معنيي التأويل عند السلف فيبين أن التأويل بمعنى التفسير أو المرادف له هو من باب العلم والشرح والإيضاح، والمتكلم فيه يتحدث عن أشياء قد عقلها وأحسها وكون عنها تصورا كافيا يمكنه من التحدث عنها وهو مطمئن إلى سلامة ما يقول. أما المعنى الثاني للتأويل عند السلف وهو المرادف للحقيقة الخارجية على ما هي عليه في واقعها، فهذا مما لا يستطيع الإنسان إدراكه إذ لا يمتلك تصورا ذهنيا كاملا للموضوع، بل كل ما يعرفه في هذا الأمر هو صفاتها وأحوالها التي اخبره بها المخاطب عن طريق التقريب وضرب المثل: " وبين هذا والذي قبله بون، فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام، كالتفسير والشرح والإيضاح، ويكون وجود التأويل في القلب واللسان له الوجود الذهني واللفظي والرسمي. وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء كانت ماضية أو مستقبلة، فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا نفس طلوعها، ويكون "التأويل " من باب الوجود العيني الخارجي، فتأويل الكلام هو الحقائق الثابتة في الخارج بما هي عليه من صفاتها وشؤونها وأحوالها، وتلك الحقائق لا تعرف على ما هي عليه بمجرد الكلام والإخبار إلا أن يكونا المستمع قد تصورها أو تصور نظيرها بغير كلام وأخبار، ولكن يعرف من صفاتها وأحوالها قدر ما أفهمه المخاطب: إما بضرب المثل، وإما بالتقريب، وإما بالقدر المشترك بينها وبين غيرها، وإما بغير ذلك" (1).

وبهذا النص الهام جدا، يضع ابن تيمية أيدينا على نقطتين هامتين، ترفعان ما يمكن أن توصم به نظرية أهل السنة في التفسير من تناقض واضطراب، وهما:

1 - مرتكزات التفريق بين التفسير والتأويل.

2 - الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير