فقد سبق ان ذكرت لك أن أهل العلم رحمهم الله لم يختلفوا في أن من أعان كافرا على مسلم أو مسلمين بمالايكسر شوكة المسلمين في الأصل فهو آثم غير كافر بخلاف إعانة الكفار على المسلمين في حالة الحرب على فئة منهم لهم شوكة تكسرها الحرب وتعلي أحكام الكفر عليهم بعد كسرها.
فكما أن سب النبي صلى الله عليه وسلم فيه معنى زائد عن سب غيره من آحاد المسلمين، فكذلك سب المسلمين بلفظ العموم فيه معنى زائد على سب آحادهم، فمن سب المسلمين بلفظ العموم فلا شك أنه كافر من جملة الكفار وإن زعم أنه أراد بعضهم، وينفعه زعمه في قبول توبته، واما من سب مسلما من المسلمين فهو ليس بكافر عند الجميع لاحتمال قصده لمعنى في المسلم غير الاسلام.
وكما يقال هذا في صور السب السابقة وهي محل إجماع، فهو يقال في الاعانة وهي كذلك محل اجماع، فإعانة الكفار على فرد من المسلمين ليست كإعانتهم على المسلمين جميعا، فالأول قد يقع من المسلم لرغبة في الدنيا وأما الثاني فإنه لايكون إلا مع عدم الاقرار بوعيد الآخرة كماذكره شيخ الاسلام.
فمحل الاجماع في الاعانة الذي هو محل البحث هو إعانة الكفار المحاربين على المسلمين، لا كل إعانة لكافر على مسلم، فتلك الاعانة التي هي محل البحث كفر بجميع صورها لايستثنى منها صورة سواء قلت الاعانة أم كثرت، كما ان سب المسلمين جميعا كفر أكبر بجميع صوره.
وكما أن سب النبي صلى الله عليه وسلم كفر أكبر وإن لم يستحل فاعله ذلك فكذلك الاعانة عليه كمايزعم من وصف حاطب بذلك وإن لم يستحل حاطب هذه الاعانة
ويقال في الاعانة ماقاله شيخ الاسلام في السب:
" فلايظن ظان أن في المسألة خلافا يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، وإنما ذلك غلط، لايستطيع أحد أن يحكي عن واحد من الفقهاء وأئمة الفتوى هذا التفصيل البتة "
فهل يستطيع المخالفون أن ينقلوا هذا التفصيل في الاعانة عن أحد من الفقهاء وأئمة الفتوى بالصورة التي يحكونها!
ولو أن المخالف تأمل مسألة اشتراط الاستحلال للتكفير بسب النبي صلى الله عليه وسلم ونظر في كلام شيخ الاسلام في تقرير الاجماع على كفر الساب وإن لم يستحل فإنه سيتبين له بإذن الله وجه الاجماع على التكفير من أعان الكفار على المسلمين وإن لم يحب دينهم.
فإن اشتراط الاستحلال في التكفير بالسب قد نقله القاضي أبو يعلى من كتاب بعض المتكلمين الذين حكوها عن الفقهاء، وهؤلاء - كما قال شيخ الاسلام في الصارم - نقلوا قول الفقهاء بماظنوه جار في أصولهم أو بما سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لايعد قوله قولا!
فهوحكاية للخلاف ب (الفهم) لا ب (النقل)! كماهو اصطلاح أخي النقاد وطريقته في حكاية الخلاف في مسألة الاعانة، ومع هذا فإن شيخ الاسلام رحمه الله لم يعتبر هذا خلافا بل جعله خطأ لايجوز القدح في الاجماع به، ثم ذكر أنه لايستطيع أحد أن يحكي عن الفقهاء هذا التفصيل في السب البتة وجعله وجها لتقرير الاجماع ورد دعوى الخلاف.
فقال كمافي الصارم المسلول (3/ 960):
" والحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلا كفر وإلا فلا، ليس لها أصل، وإنما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلمين الذين حكوها عن الفقهاء، وهي كذب ظنوها جارية على أصولهم، فلايظن ظان أن في المسألة خلافا، إنما ذلك غلط "
فتأمل كيف أنكر الخلاف وعده غلطا ولم يضرب هذا الغلط بما تقرر عنده من إجماع وأدلة وأقوال لأهل العلم، فكيف بمن لايحكي هذا الغلط عن غيره وإنما يغلط هو في فهمه ثم يطلب دليلا بينا يكشف النقاب عن وجه غلطه!
وقد احتج شيخ الاسلام على قتل الساب بإجماع الصحابة على ذلك وادعى هذا الاجماع بكونه قد نقل عنهم قتل الساب في قضايا متعددة منشرة مستفيضة لم ينكرها أحد منهم فصارت إجماعا وقال:
" واعلم أنه لايمكن ادعاء إجماع الصحابة على مسألة فرعية بأبلغ من هذه الطريق ".
فكيف لو كان خصمه هو من نحتج عليه بنقول ثابتة للاجماع وبقضايا متعددة منتشرة مستفيضة لم ينكرها أحد من أهل العلم ولم يشترطوا فيها شرط المحبة القلبية لدين الكفار للتكفير بإعانتهم على المسلمين، ولم يذكروا هذا التفصيل في الاعانة، وهل يمكن ادعاء إجماع أهل العلم على مسألة أصلية بأبلغ من هذه الطريق.
ويبقى السؤال في الاعانة على النبي صلى الله عليه وسلم قائما:
¥