يؤسفني حقا أن أراك في تعقيبك الأخير والذي قبله قد قذفت بمخزونك الانتاجي من التقسيمات دفعة واحدة، وخلطت فيه بين " العلة " و " الحكمة " والنعمة والنقمة! والقتل ومنافاته للايمان.
ولا أدري أخي الفاضل هل أنت جاد في كون " منافاة هذه الأفعال لتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم" هي علة التكفير أم لا؟
وهل تعلق أحكام التكفير بهذه العلة التي تتراكض فيها الأفهام وتزل فيها الأقدام؟
ألا ترى أخي الكريم أن (قتل) النبي صلى الله عليه وسلم هو علة تكفير من قتل.
وأن (الإعانة) على قتله هي علة تكفير من أعان على القتل.
وأن (السفر) هو علة حكم القصر
وأن (المشقة) هي سبب هذا الحكم
وأن الحكم لايعلق بسببه إذا كان خفيا أو غير منضبط
وأن أهل العلم قد أجمعوا على أن من قتل أو شارك في القتل أو القتال فقد كفر.
أيحتاج الوصول إلى هذه النتيجة إلى كل هذا السفر،ثم لا يحق لي بعدها الجمع في تعقيبي عليك والقصر.
كنت أريد أخي الفاضل أن أصل معك إلى أن الاعانة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم كفر أكبر لأقول لك: إنك قد استثنيت صورة من صور الاعانة فكفّرت بها بغير اشتراط المحبة القلبية فماموجب هذا الاستثناء؟
فقلت أولا إن قتل النبي صلى الله عليه وسلم و الاعانة على قتله كفر أكبر لأنه يتنافى مع محبته وتعظيمه، فاعترضت عليك بأن مناط التفريق هذا موجود في كل صور إعانة الكفار على المسلمين ونقلت لك هذا عن شيخ الاسلام الذي نقلت أنت عنه أن قتل النبي صلى الله عليه وسلم يتعارض مع محبته والايمان به، فعدت وقلت بأن الإعانة على قتل النبي صلى الله عليه وسلم ليست بكفر أكبر - وهذا حاصل قولك وإن أبيت - وإنما الكفر الأكبر هو أذى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحصل ببعض صور الاعانة لا كلها!
وأدخلتنا في مصطلح خاص بك سميته (مطلق الاعانة) و (الاعانة المطلقة)! وفرقت بين المصطلحين في الحكم بالتكفير.
وإنما قلت بأن هذا مصطلح خاص بك لأنك تريد به معنى لم يرده أحد من العالمين!
فأنت لاتقصد بالاعانة المطلقة =اجتماع كل صور الاعانة كما هو مفهوم تقسيمك، وإنما تقصد ب (الاعانة المطلقة) أيُّ صورة من صور الاعانة اجتمعت معها المحبة القلبية لدين الكفار! وهذا جديد في الاصطلاح واللغة!
وإن لم يكن هذا هو ظاهر مرادك بالاعانة المطلقة فأنا أشهد على نفسي بعدم الفهم وسوء الحكم!
فماذنب خصمك - وفقك الله - إذا كنت تطلق الوصف في الظاهر وتقيده في الباطن! وهذه الطريقة - فيما ظهر لي - ليست خاصة عندك بحال المخاطبة فقط، بل هي عامة للمخاطبة والفهم! فأنت أنت من فسر إطلاق ابن حزم للفظ التولي بمعنى خاص عنده في جوفه لم يستخرجه إلا أبو أسامة!
وقولك أخي الكريم:
" فإنني عندما قلت أول الأمر بكفر من أعان على قتل النبي قلت: «لأن قتله للنبي أو معاونته على قتله تتناقض ولا تجتمع مع الإيمان به وتصديقه ومحبته أبدا».
فهذا هو مناط التكفير , والإجماع والنصوص أدلة عليه ..
فهل لو قلت الآن: «الإعانة على قتل النبي إيذاء له , وكل أذى للنبي فهو كفرٌ؛ كما دلت على ذلك النصوص , ولأنه يتنافى مع الإيمان بالنبي وتعظيمه».
هل في هذا تغيير مني لمناط التكفير؟!
أرجو أن تبينه لي لأني تعبت في البحث عنه. وسيأتي في آخر هذا التعقيب مزيد بيان."
دليل على أنك محتاج إلى شرح قولك نفسه لك فضلا عن لوازمه وإلا لما أتعبك البحث عنه!
ألست أخي قلت أول الأمر «لأن قتله للنبي أو معاونته على قتله تتناقض ولا تجتمع مع الإيمان به وتصديقه ومحبته أبدا».
وهذا يعني أن القتل والإعانة على القتل كفر أكبر عندك فهما (علة) للكفر و (سبب) كونهما كفرا هو أنهما لايجتمعان مع الايمان به وتصديقه.
ثم قلت: " الإعانة على قتل النبي إيذاء له , وكل أذى للنبي فهو كفرٌ؛ كما دلت على ذلك النصوص , ولأنه يتنافى مع الإيمان بالنبي وتعظيمه "
وهذا يعني - جزما - أن (علة) الحكم قد تغيرت فأصبحت الإيذاء! مع أنك قلت قبل جملتك هذه:
" لكن هناك صورة من إعانة الكفار على النبي تعتبر كفرا , لا لأنها إعانة مجردة , ولكن لمناط آخر , لا يوجد في غيره , وهي إذا كانت هذه الإعانة ستؤدي إلى قتل النبي نفسِه , والمُعِين يعلم ذلك , ثم عاون الكفار على قتله أو ترك نصرته من القتل وهو قادر , فهو كافر"
ففي جملتك هذه جعلت هناك صورة من الاعانة كفرا، ثم نقضت في الجملة بعدها هذا المعنى فجعلت المناط هو (القتل) فصارت الاعانة هنا كفرا لأنها قتل، فرجعت إلى أن (القتل) هو مناط التكفير، ولهذا فإني سألتك عن (علة) التكفير بالقتل ماهي؟
هل هي (القتل) أم (الأذى) أيضا، فلم أجد جوابا!
هذا كل مافي الأمر! فلا تترك أخي التعليق بسبب مغالطاتي.
ـ[محب العلم]ــــــــ[01 - 09 - 04, 08:24 ص]ـ
أخي الشيخ المقرئ وفقه الله
بعيدا عن مافي مقدمتك من إشكالات تتعلق بغلطك في ظنك الذي ظننته بأخيك، إلا أنني سأعيد لك صياغة سؤالك أولا لتصحح لي مرادك ثم أستسمحك عذرا في انتظار (مذاكرتي لك في هذه المسألة) بعض الوقت لأرجع فيه إلى الجواب بذهن حاضر.
أنت تقول أخي الفاضل بأن ابن حزم نقل الاجماع على أن (التولي) كفر، والحديث هنا إنما هو عن الاعانة، فلو سلمنا بأن الاعانة كفر فليس هناك إجماع على أن الإعانة تولي!
هذا حاصل إيرادك كما أفهمه، وهو - إن كان هو المراد - منقدح في الذهن أثناء إيراد كلام ابن حزم رحمه الله، وكنت أنتظر هذا الايراد من أخي النقاد حفظه الله ولكنه تجاوزه تجاوزا ظننت معه أنه لاينازع فيه فتركته.
فإن كان هذا هو المراد فأجب بالايجاب، لعل في المباحثة فيه معك فائدة لأخيك.
¥