قال شيخ الإسلام: "ومن هذا تفسير الكلام وشرحه إذا أريد به تبين مراد المتكلم فهذا يبنى على معرفة حدود كلامه، وإذا أريد به تبيين صحته وتقريره فإنه يحتاج إلى معرفة دليل صحة الكلام، فالأول فيه بيان تصوير كلامه، والثاني فيه بيان تصديق كلامه" (11).
إن المتأمل لمنهج أهل العلم، يجد التطبيق العملي لهذا التقعيد، انظر لحال ابن القيم مع بعضهم في منهاج السالكين، كان يلتمس لهم العذر في عبارات مشكلة بحق، والسبب أنه عرف منهجه وأن ظاهر تلك العبارات غير مراد له، أو أن العبارة مجملة مراده منها معروف. ومثله شيخ الإسلام مع بعضهم ممن له عبارات خطيرة، وقال عن الرازي الذي ألف مجلدات في الرد على أفكاره وما ينبني على بعضها من مبانٍ شديدة البطلان: "ومن الناس من يسيء به الظن وأنه يعتمد الكلام الباطل وليس كذلك بل تكلم بحسب مبلغه من العلم والنظر والبحث فى كل مقام بما يظهر له وهو متناقض فى عامة ما يقوله" (12)، قال السبكي: إذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة، فلا ينبغي أن يحمل كلامه وألفاظ كتابته على غير ما تُعود منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح، وحسن الظن به وبأمثاله (13).
وفي الختام أذكر بأن هذا يقال لمن أراد الحكم على كلام مجمل أو محتمل، أما صاحب الكلم المجمل فيقال له "لقد علم من مدارك الشرع ترك العبارات المجملة، والكلمات الموهمة والله أعلم" (14).
================================================== ==
(1) هذا المبحث نحتاجه حتى عند الحكم على أقوال من لم يعرف بخير أو دين، فقبل الحكم عليه بتبديع أو تكفير لابد من النظر في سائر كلامه لمعرفة ما إذا كان لمجمله مبيناً أو لا.
وقد زعم بعضهم أن الإجمال والتبيين والعموم والتخصيص يجرى في كلام صاحب الشريعة فحسب، وهذا خطأ بين فإن الإجمال والتبيين والإطلاق والتقييد والعموم والتخصيص، من عوارض الألفاظ -والمعاني على الصحيح- فهي تجرى في كلام العرب وألفاظها. بخلاف النسخ فلا يقال به في كلام غير صاحب الشريعة، وإنما يقال تراجع، القول الجديد، قول ثاني، ونحو ذلك.
(2) التدمرية ص42، أقول ومثلها العبارات التي لم ترد في الكتاب أو السنة ودأب بعضهم على استخدامها وهي مجملة كالتعايش، والحوار، والصدام ... إلخ. فيستفصل عن مراد قائلها إن لم يكن معلوماً بقرائن أخرى، ولا ترد مطلقاً بعلة أن بعضهم استخدمها لمعان تخالف الشرع.
(3) إعلام الموقعين 1/ 218.
(4) إعلام الموقعين 1/ 219.
(5) 1/ 382، المراد باختصار.
(6) الفتاوى الكبرى 5/ 155.
(7) الصواعق 1/ 384 - 385.
(8) سبقت الإشارة إلى قول ابن القيم في الصواعق 1/ 384 - 385.
(9) الفتاوى الكبرى 5/ 155.
(10) بدائع الفوائد 4/ 815.
(11) الرد على المنطقيين ص40.
(12) الفتاوى 5/ 561 - 562.
(13) قاعدة في الجرح والتعديل ص93.
(14) معجم المناهي اللفظية ص489.