وروى ابن أبي الدنيا من حديث إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: لما بنى رسول الله r المسجد أعانه عليه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال: ((ابنوه عريشا كعريش موسى)). فقيل للحسن: وما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش - يعني السقف.
ومن رواية ليث، عن طاووس، قال: لما قدم معاذ اليمن، قالوا له: لو أمرت بصخر وشجر فينقل فبنيت مسجدا؟ قال: إني أكره أن انقله على ظهري يوم القيامة - كأنه يخاف إذا أتقن بناءه بالصخر والخشب.
وروى سفيان، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله r : (( ما أمرت بتشييد المساجد)).
قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفها اليهود والنصارى. خرجه الإمام أحمد وأبو داود.
كذا رواه ابن عيينة، عن الثوري.
ورواه وكيع عن الثوري فجعل أوله مرسلا عن يزيد بن الأصم، لم يذكر فيه: ((ابن عباس)). وكذا رواه ابن مهدي عن سفيان.
وخرج ابن ماجه كلام ابن عباس من وجه آخر - مرفوعا -: ((ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم)).
وروى حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي r ، قال: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)).
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
وروى المروذي في كتاب الورع بإسناد عن أبي الدر داء، قال: إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم؛ فعليكم الدمار.
وقال المروذي: ذكرت لأبي عبد الله مسجدا قد بنى وانفق عليه مال كثير، فاسترجع وأنكر ما قلت.
قال حرب: قلت لإسحاق - يعني: ابن راهويه -: فتجصيص المساجد؟ قال: أشد وأشد. المساجد لا ينبغي أن تزين، إلا بالصلاة والبر.
وقال سفيان الثوري: يكره النقش والتزويق في المساجد، وكل ما تزين به المساجد.
ويقال: إنما عمارته ذكر الله U .
وممن كره زخرفة المساجد وتزو يقها: عمر بن عبد العزيز، وكان قد أراد إزالة الزخرفة التي كان الوليد وضعها في مسجد دمشق الجامع فكبر ذلك على من يستحسنه ممن تعجبه زينة الحياة الدنيا، واحتالوا عليه بأنواع الحيل، وأوهموه أنه يغيظ الكفار، حتى كف عن ذلك.
وقد روي عن ابن جريج، قال: أول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك.
ذكره الأزرقي.
ولأصحابنا وأصحاب الشافعي في تحريم تحلية المساجد بالذهب والفضة وجهان، وكرهه المالكية وبعض الحنفية، ومنهم من رخص فيه، وقالوا: أن فعل ذلك من مال الوقف فقد ضمنه من ماله.
وأما ما حكاه البخاري عن عمر وأنس [ ............ .............................. ].
وقد روي عن أنس - مرفوعا -، رواه سعيد بن عامر: ثنا صالح بن رستم، قال: قال أبو قلابة: سمع أنس بن مالك يقول - وقد مروا بمسجد أحدث -، فذكر أن النبي r قال ((يأتي على أمتي زمان يتباهون فيه بالمساجد ولا يعمرونها إلا قليلا)) - أو قال: ((لا يعمرونها إلا قليلا)).
خرجه ابن خزيمة في صحيحه.
ثم خرج البخاري هاهنا حديثا، فقال:
446 - ثنا علي بن عبد الله: ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، عن صالح بن كيسان: ثنا نافع، أن عبد الله اخبره، أن المسجد كان على عهد رسول الله r مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه
عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله r باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم غيره عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج.
القصة: الجص.
والساج: نوع من أرفع أنواع الخشب، يجلب من بلاد الهند والزنج.
ويستدل بما فعله عثمان من يرخص في تجصيص المساجد وتزويقها ونقشها. وقد روي عن ابن عمر في هذا الباب روايات أخر:
فخرج أبو داود من طريق فراس، عن عطية، عن ابن عمر، أن مسجد النبي r كانت سواريه على عهد النبي r من جذوع النخل، أعلاه مظلل بجريد النخل، ثم إنها تخربت في خلافة أبي بكر، فبناها بجذوع النخل وجريد النخل، ثم إنها تخربت في خلافة عمر، فبناها بجذوع النخل وجريد النخل، وتخربت في خلافة عثمان فبناها بالآجر، فلم تزل ثابتة حتى الآن.
وفي هذه الرواية زيادة تجديد أبي بكر له وإعادته على ما كان، لكنه لم يزد في بقعة المسجد شيئا، وإنما زاد فيه عمر.
وروى الإمام أحمد: ثنا حماد الخياط: ثنا عبد الله، عن نافع، أن عمر زاد في المسجد من الاسطوانة إلى المقصورة، وزاد عثمان، فقال عمر: لو لا أني سمعت
رسول الله r يقول: ((ينبغي أن نزيد في مسجدنا)) ما زدت.
وليس في رواية ذكر ابن عمر، وهو منقطع.
وفيما فعله عمر وعثمان من تخريب المسجد والزيادة فيه: دليل على جواز الزيادة في المساجد وتخريبها لتوسعتها وإعادة بناءها على وجه أصلح من البناء الأول؛ فإن هذا فعله عمر وعثمان بمشهد من المهاجرين والأنصار واقروا عليه.)
¥