ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[18 - 09 - 04, 08:59 ص]ـ
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله في الرد على الجهمية
وقال بعضهم إنا لا نقبل هذه الآثار ولا نحتج بها
قلت أجل ولا كتاب الله تقبلون أرأيتم إن لم تقبلوها أتشكون أنها مروية عن السلف مأثورة عنهم مستفيضة فيهم يتوارثونها عن أعلام الناس وفقهائهم قرنا بعد قرن
قالوا نعم
قلنا فحسبنا إقراركم بها عليكم حجة لدعوانا أنها مشهورة مروية تداولتها العلماء والفقهاء فهاتوا عنهم مثلها حجة لدعواكم التي كذبتها الآثار كلها فلا تقدرون أن تأتوا فيها بخبر ولا أثر وقد علمتم إن شاء الله أنه لا يستدرك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأحكامهم وقضاياهم إلا بهذه الآثار والأسانيد على ما فيها من الاختلاف وهي السبب إلى ذلك والنهج الذي درج عليه المسلمون وكانت إمامهم في دينهم بعد كتاب الله عز وجل منها يقتبسون العلم وبها يقضون وبها يقيمون وعليها يعتمدون وبها يتزينون يرثها الأول منهم الآخر ويبلغها الشاهد منهم الغائب احتجاجا بها واحتسابا في أدائها إلى من لم يسمعها يسمونها السنن والآثار والفقه والعلم ويضربون في طلبها شرق الأرض وغربها يحلون بها حلال الله ويحرمون بها حرامه ويميزون بها بين الحق والباطل والسنن والبدع ويستدلون بها على تفسير القرآن ومعانيه وأحكامه ويعرفون بها ضلالة من ضل عن الهدى
فمن رغب عنها فإنما يرغب عن آثار السلف وهديهم ويريد مخالفتهم ليتخذ دينه هواه وليتأول كتاب الله برأيه خلاف ماعنى الله به
فإن كنتم من المؤمنين وعلى منهاج أسلافهم فاقتبسوا العلم من آثارهم واقتبسوا الهدى في سبيله وارضوا بهذه الآثار إماما كما رضى بها القوم لأنفسهم إماما فلعمري ما أنتم أعلم
بكتاب الله منهم ولا مثلهم ولا يمكن الاقتداء بهم إلا باتباع هذه الآثار على ما ترون فمن لم يقبلها فإنه يريد أن يتبع غير سبيل المؤمنين وقال الله تعالى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا النساء
فقال قائل منهم لا بل نقول بالمعقول قلنا هاهنا ضللتم عن سواء السبيل ووقعتم في تيه لا مخرج لكم منه لأن المعقول ليس لشيء واحد موصوف بحدود عند جميع الناس فيقتصر عليه ولو كان كذلك كان راحة للناس ولقلنا به ولم نعد ولم يكن الله تبارك وتعالى قال (كل حزب بما لديهم فرحون) المؤمنون 53 فوجدنا المعقول عند كل حزب ما هم عليه والمجهول عندهم ما خالفهم فوجدنا فرقكم معشر الجهمية في المعقول مختلفين كل فرقة منكم تدعي أن المعقول عندها ما تدعو إليه والمجهول ما خالفها فحين رأينا المعقول اختلف منا ومنكم ومن جميع أهل الأهواء ولم نقف له على حد بين في كل شيء رأينا أرشد الوجوه وأهداها أن نرد المعقولات كلها إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المعقول عند أصحابه المستفيض بين أظهرهم لأن الوحي كان ينزل بين أظهرهم فكانوا أعلم بتأويله منا ومنكم وكانوا مؤتلفين في أصول الدين لم يفترقوا فيه ولم يظهر فيهم البدع والأهواء الحائدة عن الطريق
فالمعقول عندنا ما وافق هديهم والمجهول ما خالفهم ولا سبيل إلى معرفة هديهم وطريقتهم إلا هذه الآثار وقد انسلختم
منها و انتفيتم منها بزعمكم فأنى تهتدون
واحتج محتج منهم بقول مجاهد (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) القيامة 22 - 23 قال تنتظر ثواب ربها
قلنا نعم تنتظر ثواب ربها ولا ثواب أعظم من النظر إلى وجهه تبارك وتعالى
فإن أبيتم إلا تعلقا بحديث مجاهد هذا واحتجاجا به دون ما سواه من الآثار فهذا آية شذوذكم عن الحق واتباعكم الباطل لأن دعواكم هذه لو صحت عن مجاهد على المعنى الذي تذهبون إليه كان مدحوضا القول إليه مع هذه الآثار التي قد صحت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وجماعة التابعين أولستم قد زعمتم أنكم لا تقبلون هذه الآثار ولا تحتجون بها فكيف تحتجون بالأثر عن مجاهد إذ وجدتم سبيلا إلى التعلق به لباطلكم على غير بيان وتركتم آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين إذ خالفت مذهبكم فأما إذ أقررتم بقبول الأثر عن مجاهد فقد حكمتم على أنفسكم بقبول آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين بعدهم لأنكم لم تسمعوا هذا عن مجاهد بل تأثرونه عنه بإسناد و تأثرون بأسانيد مثلها أو أجود منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين ما هو خلافه عندكم فكيف ألزمتم أنفسكم اتباع المشتبه من آثار مجاهد وحده وتركتم الصحيح المنصوص من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
ونظراء مجاهد من التابعين إلا من ريبة وشذوذ عن الحق
إن الذي يريد الشذوذ عن الحق يتبع الشاذ من قول العلماء ويتعلق بزلاتهم والذي يؤم الحق في نفسه يتبع المشهور من قول جماعتهم وينقلب مع جمهورهم فهما آيتان بينتان يستدل بهما على اتباع الرجل وعلى ابتداعه انتهى.
¥