وكأنَّ الله عز وجل أتاح اختلافهم ليظهر لمن بعدهم كيف يختلفون، أو أنه سبحانه وتعالى نصب هذا الاختلاف فتنة لمن بعدهم، ليميز من يعرف لهم قدرهم، ومن يسلّم بفضل من اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ممن لم يُسلّم لقدَر الله واختياره.
إِنَّ ما شجرَ بين الصحابة رضي الله عنهم ليس إلا اجتهادات صافية خالية من شوائب الهوى، ووساوس الشياطين، ومن ثَمّ لم تدع أثرًا في المجتمع المسلم حينئذ فضلاً عن الأزمنة التالية.
لكنّك إذا نظرتَ ـ رحمك الله ـ إلى خلافات الخوارج، وغيرهم من المارقين عن السنة: تَرَى كيف أَثّرَتْ هذه الخلافات على المجتمع المسلم في عصوره الأولى، كما دام أثرها عليه حتى عصرنا؛ يهدأ حينًا، ويشتعل أحيانًا.
ومن ثَمّ لا تخلط رحمك الله بين الأمور، ولا تحسب كل اختلافٍ يشبه غيره، على وتيرة ((كل ما هو مدوّر رغيف))!
لقد بُنِيَت اجتهادات الصحابة على مُقَدِّماتٍ سليمة، وما بُنِيَ على مقدمات صحيحة قُبِلَ بغض الطرف عن نتائجه؛ إِذِ المقدمة أساس النتيجة، فما صَحَّتْ مقدمته؛ صَحَّتْ نتيجته.
أما الخوارج والعالمانيين، وغيرهم من المارقين فلا مقدمة لهم سوى الهوى والانحراف عن الجادة فالنتيجة مردودةٌ حتمًا.
فاعلم ذلك رحمك الله، ولا تخلط بين الأوراق فتهلك)).
انتهى بحروفه
نعم جزى الله شيخنا الكريم خيرًا على تعليقه الجميل، والذي فهمت منه قضايا عديدة منها:
1 - تفكير أمنا عائشة رضي الله عنها بالرجوع أثناء السير، وهذا ينافي تمامًا خطط العسكر والحروب التي تقوم على التقدم ومحاولة كسب الأرض لا التقهقر والانسحاب.
إذًا فلم تخرج عائشة رضي الله عنها لحربٍ!! وإنما خرجت رضي الله عنها لتأويلٍ واجتهادٍ، ليعلمنا الله من خلالها درسًا في الاختلاف.
2 - شهادة عمار رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها، وشهادتها له، رضي الله عنهما، رغم اختلاف الفريقين في الظاهر!!!!
يا الله!!
ما أروعكم!!
والله الذي لا إله إلا هو، لو لم أكن مسلمًا ولله الحمد، ورأيتُ مثل هذا: ما ترددتُ لحظة عن السجود في الكعبة، والندم على التفريط.
كم أنتِ رائعة ومنصفة يا أمنا رضي الله عنكِ؟!
كم أنتَ رائع ومنصف يا عمار رضي الله عنكَ؟!
هنيئًا لنا بكما وبالعشرة المبشرين بالجنة وسائر الصحابة من الأنصار والمهاجرين وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا.
3 - في هذا الموقف ما يعني عدم وجود خلافات شيطانية بين الصحابة أصلاً، وإنما المسألة مجرد اجتهادات وتأويلات وفقط.
4 - في تخلف بعض الصحابة عن الفريقين، وعدم خروجهم، بناءً على ما وصلهم من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك درسٌ كبير.
أولاً: بلغهم الحديث فتوقفوا عنده.
ثانيًا: لم يُجبرهم أحدٌ على الخروج معه، ولا اتهمهم بالخيانة، ولا حاكمهم بتهمة الفرار من الجندية!!
فماذا يعني ذلك كله؟؟
يعني أن المسألة لم تكن حربًا بالمعنى المفهوم للحرب.
يعني صفاء الساحة، وإن تشابهت الأسماء، أو سمّاها بعضهم حربًا.
5 - وجود مثل هذا الاختلاف بغرض ابتلاء من بعدهم، وهذا درسٌ رائعٌ وجميل.
لأن مبنى الشريعة على الابتلاء، ليميز الله الخبيث من الطيب، وقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم صحابة أطهارًا كرامًا، وابتلانا باختلافهم لحكمةٍ يعلمها سبحانه؛ قد تكون لتعليم من بعدهم طريقة الاختلاف، وقد تكون بغرض التمييز بين المنافق الذي يتربص الدوائر، ويُمَزّق الصفوف بالخوض في مثل هذا، وبين الصادق المؤمن المسلم، المتذلل لربه، الداعي، والمسَلّم بقَدَره في اختياره لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ـ[محمد بن المختار الشنقيطي]ــــــــ[30 - 12 - 04, 04:33 م]ـ
السلام عليكم أخي الكريم الشيخ سليمان الخراشي حفظه الله ..
أهلا وسهلا برسالتكم الأخوية، ونصيحتكم الطيبة بالقرب من العلماء.
وأرجو أن يتسع صدركم لنقاش علمي مفتوح حول كتابي "الخلافات السياسية بين الصحابة" على صفحات هذا الموقع أو غيره، نبدأه بالتعارف، ونلتزم فيه بمعايير علمية نتفق عليها. منها:
1 - توثيق القول وعدم قبول أي رواية لم يتم إسنادها إلى مرجعها وتثبت صحتها بمعايير أهل الحديث
2 - التزام كلام المحققين من علماء أهل السنة الأقدمين المعروفين بخبرتهم بتاريخ الصحابة، وغيرتهم على أعراضهم.
3 - التزام أدب الحوار وخلق الإسلام، والابتعاد عن التجريح الشخصي والكلام الساقط والتهم الجزافة.
4 - االتزام بإقرار كل محاور لصاحبه بما برهن عليه من حق، وما بينه لمحاوره من خطإ بالدليل دون عناد أو لجاج.
5 - النظر لذات القول لا لقائله، فانتمائي للإخوان أو لغيرهم، لا يبنغي أن يحول دون قبول قولي إن عضده الدليل، ولك مني مثل ذلك.
فإن وجدت هذه المعايير منصفة، فتوكل على الله، وابدأ بالتعريف بنفسك، وخرج النصوص التي ذكرتها في حلقتيك السابقتين حتى يعرف القراء قيمتها العلمية.
وليكن في كريم علمكم أني لا تهمني مكانة الشناقطة وأمجادهم، بل الوصول إلى الحق الثابت علميا الذي أدين به ربي.
وأخيرا كلام د. القلعجي موجود مخرجا في كتابي، وقد كتبه في هامش تحقيقه لكتاب "جامع المسانيد والسنن". وقد أوردته رادا عليه لا مقرا له كما تعرف، فحديثكم عن "اغتراري به" في غير محله. وكل ما تحتاجه هو الحصول على نسخة من الطبعة الصحيحة من كتابي لتجد هذا النص وغيره من النصوص مخرجة تخريجا علميا.
فتفضل للحوار بصدر رحب، ونية خالصة وقلب مفتح.
والله يحفظك ويسدد خطاك.
أخوكم/ محمد بن المختار الشنقيطي
¥