تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تأخر ظهور الحركة الإصلاحية في الإمبراطورية الغربية، بسبب بعدها الجغرافي عن دار الإسلام، والحُجُب الكثيفة من الافتراء والتشويه التي فرضتها الكنيسة الكاثوليكية على أوروبا الغارقة حينئذ في الجهل والهمجية، ولكن الاتصال بالمسلمين الذي حدث من طرق شتى - منها مراكز الحضارة الإسلامية في جنوب أوروبا، والحروب الصليبية، والتعامل التجاري، وغيرها ـ أدى إلى ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية، التي كانت فاتحة التاريخ الأوروبي الحديث، والتي أحدثت زلزالاً هائلاً في الكنيسة الغربية، بل في الحياة الأوروبية عامة. إلا أن تأثيرها الإصلاحي لم يمسّ الجوهر (عقيدة التثليث) بل اقتصر أساساً على الحد من طغيان البابوات، وفساد رجال الدين عامة، وتحطيم الصور والتماثيل (1)، وتعديل بعض الشعائر والطقوس. ويتمثل تأثيرها التاريخي الهائل في تأسيس كنائس جديدة منسوبة لزعماء الحركة، مثل «لوثر» «كالفن» «زونجلي» وكانت الاستجابة الواسعة لها تمثيلاً عميقاً لما عانته النفسية الأوروبية من كبت وضجر تحت سيطرة الاضطهاد البابوي، ولكنها ما لبثت أن ارتكبت كل الخطايا التي ارتكبتها كنيسة روما، ولا سيما اضطهاد المخالفين، وربما زادت عليها أحياناً، وهو الأمر الذي أدخل أوروبا في دوّامة من العنف لم يشهد لها التاريخ العالمي مثيلاً. وحدث من الفظائع والمنكرات ـ من الطرفين ـ ما اقشعرت لها أبدان المؤرخين، ووصفوها بأنها وحشية تترفع عنها الوحوش. وقد نالت هذه الوحشيةُ طائفةَ الموحدين التي انتهزت ـ بادئ الأمر ـ فرصة الصراع وانكسار باب السجن الكاثوليكي لتخرج في جملة من خرج من المأسورين، ولكن الاضطهاد الذي حلّ بها من قِبَل البروتستانت كان أفظع مما تصورت، بل كان مثار دهشة المؤرخين الغربيين ولا يزال.

` الموحدون والحركة الإصلاحية النصرانية:

كان أعداء الموحدين ـ من الكاثوليك والبروتستانت سواء ـ ينبزونهم بلقب «سوسنيانية» نسبة إلى رجل دين إيطالي يدعى «سوسنيان» أو «سوسنيوس» (1539ـ 1604م) (2)، ظهرت آراؤه في عنفوان الثورة البروتستانتية على الكنيسة الكاثوليكية بقيادة زعيميها الشهيرين «مارتن لوثر» و «كالفن».

وكان «كالفن» ينافس «لوثر» في تزعّم الإصلاح، إلا أنه كان أكثر منه اعتماداً على التوراة ـ لا سيما في انتهاج القوة ـ وقد قرر كثير من المؤرخين أنه يهودي الأصل، ولعل هذا سبب خطأ من يظن أنه كان موحِّداً (3)، وقد عاصر من الموحدين غير «سوسنيان» الذي تنتسب إليه الطائفة «ميخائيل سرفت» صاحب الآراء المتناقضة والمحسوب على الموحدين، وإن كان بعض مؤرخي الفكر الغربي يجعلونه المؤسس.

اتخذ كالفن «جنيف» مقراً لدعوته، وحكمها حكماً لاهوتياً شديد الصرامة، ويقول «ديورانت»: (إن «كالفن» كان يرى في مذهب الموحدين بداية النهاية للمسيحية، وخشي هذه الهرطقة أكثر من أي شيء آخر؛ لأنه وجدها متفشية في مدينة «جنيف» ذاتها، وفوق كل شيء بين اللاجئين البروتستانت الفارين من إيطاليا، وهذه إشارة إلى سوسنيان وأمثاله). وقد بلغت فظاظة كالفن وبشاعة أحكامه حداً جعل أتباعه وأعداءه يشتركون في التعنيف عليه، وكان الموحدون أكثر المتضررين بذلك، ولا تزال مأساة «سرفت» تعد عند مؤرخي الفكر وصمة عار في جبين الإصلاحيين عامة و (كالفن) خاصة؛ فقد حكم (كالفن) على (سرفت) بأن يحرق حياً على نار بطيئة عقوبة له على إنكار التثليث سنة 1553م. وكان هذا ـ إضافة إلى نبز (لوثر) لـ (سرفت) بأنه «مراكشي» ـ دليل على أن الضغينة عليه كانت بسبب تأثره بالإسلام أكثر من كونه كافراً بالتثليث؛ إذ يقول ديورانت (4)، بعد أن نقل فقرات من كلامه: (إن مفهومه عن المسيح قريب جداً من مفهوم محمد) فنظراً لأصله الأسباني وقراءته للقرآن، واطلاعه على العقائد الإسلامية كان يستحق عندهم أن ينزل عليه أشد العقاب، فيكون عبرة لغيره من الخارجين على عقيدة (لوثر) و (كالفن).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير