6 - على {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} ألقاها بحضرة الملك محمد الخامس عند زيارته للمدينة. وكلها عامة نافعة جديدة.
وبالتالي فقد كان لمنهجه العلمي في أبحاثه وتدريسه وفي مؤلفاته. إحياء لعلوم درست وتصحيحاً لمفاهيم اختلفت.
فمما أحيا من العلوم علم الأصول الذي هو أصل الاستدلال والاستنباط والاجتهاد والترجيح وعمدة المجتهد وعماده وبجهله لا يحق الاجتهاد ويجب التقليد المحض كما يقولون جهلة الأصول عوام العلماء. ففتح أبوابه وسهّل صعابه وأوضح قواعده، وقرب تناوله تسهيلاً لأخذ الأحكام من مصادرها ورد الفروع إلى أصولها.
كما أحيا آداب البحث والمناظرة فوضع منهجه وألف مقرره فكان خدمة للعقيدة في أسلوب بيانها وكيفية إثباتها والدفاع عنها وطرق الإقناع بما فيه الخلاف.
كما فتّح أبواباً جديدة وأحدث فنوناً طريفة في علوم القرآن من منع المجاز عن المنزل للتعبد والإعجاز إثباتاً لمعاني آيات الصفات على حقيقتها وسد باب تعطليها عن دلالتها إجراء للنص على حقيقته وإبقاء عليه في دلالته.
ومن دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب وبيان تصديق آي الكتاب بعضه بعضاً بدون تعارض ولا إشكال.
ومن تسليط أضواء البيان على تفسير القرآن بالقرآن رسم فيه المنهج السليم لتفسير القرآن الكريم. تفسير كلام الله بعضه ببعض وأبان أحكامه وحكمه وفتح كنوزه وأطلع نفائسه ونشر درره على طلبة العلم.
وكل ذلك فتح جديد في علوم القرآن لم تكن موجودة على هذا النسق من قبل ولم تكن تدرس بهذا المثل.
كما أنه في غضونها صحح مفاهيم مختلفة منها أن المنطق لم يكن يُعرف عنه إلا أنه تقديم العقل على النقل ومصادمة النص بالرأي وكان فعلاً وسيلة التشكيك في العقيدة باستخدام قضايا عقيمة. فهذب الشيخ رحمه الله من أبحاثه وأحسن باستخدامه فنظم قضاياه المنتجة ورتب أشكاله السليمة واستخدم قياسه في الإلزام. سواء في العقيدة أو أصول الأحكام وبعد أن كان يستخدم ضدها أصبح يعمل في خدمتها. كما وضح ذلك في آداب البحث والمناظرة.
مواقفه مع الحق: كان رحمه الله قوياً صلباً ليناً سهلاً.
كان قوياً صلباً في بيانه، ليناً سهلاً في الرجوع إلى ما ظهر إليه منه.
في بعض الأعوام التي حججتها معه رحمه الله قدمنا مكة يوم سبع من الشهر وكان مفرداً الحج وفي يوم العيد صحبته للسلام على سماحة المفتي رحمه الله بمنى فسأله رحمه الله عن نسكه فقال جئت مفرداً الحج وقصداً فعلت فأدرك المفتي رحمه الله أن وراء ذلك شيئاً ولكن تلطف مع الشيخ وقال أهو أفضل عندك حفظك الله فأجاب أيضاً حفظكم الله لا للأفضلية فعلت ولكن سمعت وتأكد عندي أن أشخاصاً ينتمون لطلب العلم يقولون لا يصح الإفراد بالحج ويلزمون المفردين بالتحلل بعمرة. وهذا العمل لا يتناسب مع العديد من وفود بيت الله الحرام كل بما اختار من نسك وكل يعمل بمذهب صحيح وجرت محادثة من أنفس ما سمعت في تقرير هذا البحث من مناقشة الأدلة وبيان الراجح وأخيراً قال رحمه الله أنه لا يعنيني بيان الأفضل فهذا أمر مختلف فيه وكل يختار ما يترجح عنده ولكن يعنيني إبطال القول بالمنع من صحة إفراد الحج لأنه قول لم يسبق إليه والأمة مجمعة على صحته. فما كان من سماحة المفتي رحمه الله إلا أن استحسن قوله ودعا له.
ولكأني بهذا العمل من الشيخ رحمه الله الذي أراد به البيان عملياً صورة مما وقع من علي رضي الله عنه حينما بلغه عن عثمان رضي الله عنه أنه ينهى عن التمتع فدخل عليه وقال كيف تنهى عن شيء فعلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج من عنده وهو يقول: لبيك اللهم حجاً وعمرة.
أما لينه مع الحق ورجوعه إلى ما ظهر له منه ففي آخر دروسه في الحرم النبوي في رمضان الماضي في سورة براءة أعلن عن رجوعه عن القول في الأشهر الحُرم بأنها منسوخة وقال الذي يظهر أنها محكمة وليست منسوخة وكنا نقول بنسخها في دفع إيهام الاضطراب ولكن ظهر لنا بالتأمل أنها محكمة. وهو الحق الذي ينبغي اعتماده والتعويل عليه.
¥