تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أنهم مع اقتتالهم، وبغي بعضهم على بعض إخوة مؤمنون، وأمر بالإصلاح بينهم

بالعدل.

ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين؛ لا يعادون

كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض

ويتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض؟ مع ما كان

بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك.

وقد ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سأل ربه» أن لا

يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم

فأعطاه ذلك، وسأله ألا يجعل بأسهم بينهم فلم يعطه ذلك «وأخبر أن الله لا يسلط

عليهم عدواً من غيرهم يغلبهم كلهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً وبعضهم يسبي

بعضاً.

وثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى:] قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ

عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ [قال:» أعوذ بوجهك «] أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [قال:

» أعوذ بوجهك «] أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ [قال:» هاتان

أهون «.

هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف، ونهى عن البدعة والاختلاف، وقال:

] فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [وقال النبي -صلى الله عليه

وسلم-:» عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة «وقال:» الشيطان مع

الواحد وهو من الاثنين أبعد «وقال:» الشيطان ذئب، الإنسان كذئب الغنم

والذئب إنما يأخذ القاصية والنائية من الغنم «[مجموع الفتاوى 3/ 283 - 286].

وكذلك يشير إلى ضوابط تكفير أهل البدع في 3/ 353 من مجموع الفتاوى

فليراجع.

فلا ندري بعد ذلك ماذا سيقول الشيخ في هذه النصوص من أقوال ابن تيمية،

لعله يهز كتفيه ويقول: يعني ماذا؟ لقد أثبتنا في كتابنا هذا أن ابن تيمية متناقض!

وعندها يكون السكوت أفضل.

وبعد أن سقنا من أقوال ابن تيمية ما يكذب الدعوى بأنه (يكفر خصومه لأدنى

المواقف الاجتهادية التي يخالفهم فيها) نقول أيضاً: إن هذه المسألة التي يتواصى

بها خصومه شاهد على عكس ذلك، أي على أن ابن تيمية يتريث، ويبحث،

ويتوثق قبل أن يحكم. ويتحرج من إلقاء تهمة الكفر، أو إعلان الإجماع عليها دون

تثبت. فكيف ذلك؟ فلننقل عبارة ابن تيمية التي نقلها البوطي، وتحكم فيها ما تحكم،

وحذف منها ما حذف، وفهم منها ما فهم، وسخر منها ما سخر، ولنضعها بين

حاصرتين ولننظر فيها نظر من يريد أن يفهم؛ لا من يريد أن يصطاد ويشوه.

يقول ابن تيمية:

(قلت: أما اتفاق السلف وأهل السنة والجماعة على أن الله وحده خالق كل

شيء فهذا حق. ولكنهم لم يتفقوا على كفر من خالف ذلك، فإن القدرية الذين

يقولون: إن أفعال الحيوان لم يخلقها الله؟ أكثر من أن يمكن ذكرهم من حين

ظهرت القدرية في أواخر عصر الصحابة إلى هذا التاريخ. والمعتزلة كلهم قدرية،

وكثير من الشيعة، بل عامة الشيعة المتأخرين، وكثير من المرجئة والخوارج

وطوائف من أهل الحديث والفقه نسبوا إلى ذلك منهم طائفة من رجال الصحيحين.

ولم يجمعوا على تكفير هؤلاء). [نقد مراتب الإجماع 168]

ما معنى هذا؟

إن هذا النص سيق أصلاً للرد على من ادعى إجماع السلف من أهل السنة

والجماعة على تكفير من خالف هذه المقدمة: (الله وحده خالق كل شيء).

فالمسألة هنا ليست مسألة إثبات هذه الحقيقة ونفي عكسها؛ وإنما هي إثبات

دعوى الإجماع على أمر آخر، وهو تكفير من قال قولاً يخالف ما انطوى عليه هذا

العموم، فالسلف وأهل السنة والجماعة الذين اتفقوا على أن الله خالق كل شيء؛ لم

يتفقوا على تكفير من خالف ذلك، أي إن منهم من كفر؛ ومنهم من لم يكفر. ثم

استطرد ابن تيمية مفصلاً، فذكر من هؤلاء الذين لم يجمع السلف على تكفيرهم:

القدرية، وكثير من الشيعة، بل عامة الشيعة المتأخرين، وكثير من المرجئة

والخوارج، وطوائف من أهل الحديث والفقه، بل وبعض رجال الصحيحين نسب

إليه القول بأن: (أفعال الحيوان لم يخلقها الله).

إذن؛ هناك رجل (وهو ابن حزم) يقول: اتفق السلف على كفر من خالف

القول بأن الله خالق كل شيء.

ورجل ثان (وهو ابن تيمية) يقول: لا، لم يتفق السلف على كفر من خالف

ذلك: فمنهم من كفر، ومنهم من لم يهجم بالتكفير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير