وتردّ عليها في مختلف كتبه وأقواله، فإنها لدعوة منه بلا ريب إلى أن نكفره هو
الآخر استدلالاً بالضلالات الفلسفية التي انزلق فيها، وأن نعرض عن كلامه الآخر
الذي يناقضها ويبرئه من مغبتها. ولكني أشهد أن دين الله عز وجل يأبى أن ندعو
بهذه الدعوة، كما أنه يحذر من الانصياع لها.
ولعل كل متدبر للحق، محررٍ قلبه من شوائب العصبيات والأهواء، لا يعجز
عن تصديق ما أقول، وعن اليقين بأنه المتفق مع كتاب الله، و المنسجم مع هدي
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» [كتابه ص 204، 205، 206].
القول ولازم القول:
يبدأ البوطي موهماً باستخدام بعض عبارات العلماء، فيشير إلى القول ولازم
القول، ولكن لا يوضح لقرائه - وهم بحاجة إلى ذلك - القول ولازم القول؟ حتى
نعلم: أصحيح أن ابن تيمية - ودعك ممن يقلده في نهجه - يأخذ ابن عربي وأمثاله
بلازم أقوالهم، دون أن يحمل نفسه على التأكد من أنهم يعتقدون فعلاً ذلك اللازم؟
معنى هذا أنه ليس في كتب ابن عربي ما يدل دلالة واضحة على هذا الذي
أُخذ عليه، وإنما هي تخرصات تخرصها ابن تيمية عليه، لكن هذا الزعم ينقضه
البوطي نفسه في عبارته التالية مباشرة:
«أما أن يكون في كتب ابن عربي كلام كثير يخالف العقيدة الصحيحة
ويستوجب الكفر، فهذا ما لا ريبة ولا نقاش فيه».
هذا طرف المعادلة الأول! وطرفها الثاني هو: «وأما أن يدل ذلك دلالة
قاطعة على أن ابن عربي كافر وأنه ينطلق في فهم (شهود الذات الإلهية) من أصل
كفري هو نظرية الفيض، فهذا ما لا يملك ابن تيمية ولا غيره أي دليل قاطع عليه»
ما دليل البوطي على فقدان ابن تيمية وغيره الدليل عليه؟! دليله ما يلي: «فإن
كتب ابن عربي تفيض بالبيانات المفصلة! المكررة! (كما نقول نحن اليوم:
الإحصائيات المفصلة!) التي تناقض هذا الأصل الكفري».
ودليل آخر:
«وهذا بالإضافة إلى أنه قد بات معلوماً ومؤكداً (لا نقاش في هذا المعلوم
والمؤكد الذي كأنه معلوم من الدين بالضرورة عند الشيخ!) أن طائفة معلومة (!)
من الزنادقة الباطنية دسوا ما شاؤوا أن يدسوا في كتبه (ما أسهل الدس في كتب
المشبوهين!). من ذكر ذلك؟ ذكره صاحب (نفح الطيب)! وأكده صاحب
شذرات الذهب! وأكده في قصة طويلة! الإمام الشعراني، (لماذا الشعراني إمام؛
والمقَّري وابن عماد ليسا إمامين؟!) وأين أكده الإمام الشعراني؟ في (اليواقيت
والجواهر)، وذكره الحاجي [1] خليفة في (كشف الظنون)، بل وقاصمة الظهر أن
ابن تيمية في مقدمة من يعلم أن تزويراً ودساً حصل في كتب ابن عربي، (وهذا لا
يشك فيه البوطي!) لكن ما الذي يمنع ابن تيمية من الاعتراف بهذا الذي لا يشك
فيه البوطي؟! ليس غير حبه للتجني على غيره، وكتمان الحق المعلوم، والتشبت
بالتخرصات التي لا دليل عليها؛ أو شيئاً في معنى هذا!
ذكر الشيخ البوطي أسماء كل من صاحب «نفح الطيب» وصاحب
«شذرات الذهب» وصاحب «اليواقيت والجواهر» وصاحب «كشف الظنون»
فيمن أكد الدس في كتب ابن عربي، ووجدنا - لدى رجوعنا إلى ترجمة ابن عربي
في نفح الطيب، الذي يعتبره الشيخ البوطي مصدراً يرجع إليه في هذا المجال - ما
يلي:
«ومما نسبه إليه - رحمه الله تعالى - غير واحد قوله:
قلبي قطبي وقالبي أجفاني سري خَضِري وعينه عرفاني
روحي هارون وكليمي موسى نفسي فرعون والهوى هاماني
وذكر بعض الثقات أن هذين البيتين يكتبان لمن به القولنج في كفه ويلحسهما
فإنه يبرأ بإذن الله تعالى قال: قال وهو من المجربات! وقد تأول بعض العلماء
قول الشيخ -رحمه الله تعالى- بإيمان فرعون النفس، بدليل ما سبق، وحكى في
ذلك حكاية عن بعض الأولياء ممن كان ينتصر للشيخ -رحمه الله تعالى-». [نفح
الطيب 2/ 372 - 1373]
وقد عثرنا في نفح الطيب على غير هذه الطرفة مما لا نستطيع أن ننقله هنا
لما فيه من نبو عن كل ذوق، فليُرْجَع إليه في الجزء 2/ 383 من نفح الطيب،
وتبين لنا مما ينقله هذه المؤلف أنه لا يصح أن يعتمد قوله في هذه المسألة لأنه ناقل
عن الشعراني فلا يصح أن يقال: ذكر ذلك المقري وذكره في قصة طويلة الإمام
الشعراني، فما عند المقري حول ابن عربي مصدره الشعراني وغيره من المخرفين.
أما الشعراني فشهادته في ابن عربي لا تقبل لأن ما يقال في منهج ابن عربي
¥