تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يكون قد جنى على نفسه بنفسه (والبوطي لا ذنب له في ذلك) ودعا الناس (بلا

ريب) أن يكفروه بسبب ما عنده من ضلالات فلسفية! لكن يا لهول هذه الخاتمة ويا

لسوء عاقبة من يأخذ بها! إنه الورع يأخذ بحجزة الشيخ البوطي أن يقتحم هذه

المخاضة! وهو الورع نفسه يفتقده ابن تيمية فيأبى إلا أن يحملنا على تكفير ابن

عربي. هذا وجه من وجوه فهم عبارة الشيخ!

ولكن مهلاً، هناك وجه آخر؛ كيف يتورع البوطي ويتحرج من شيء لا يد

له فيه ولم يفعله هو، بل هو «دعوة بلا ريب من ابن تيمية» إلى تكفير ابن تيمية؟!

أرأيت؟! ابن تيمية يدعو الناس إلى تكفيره ويلح عليهم أن يدعوا إلى تكفيره ولكن

الشيخ البوطي يشهد: «أن دين الله عز وجل يأبى أن ندعو بهذه الدعوة، كما أنه

يحذر من الانصياع لها».

فالورع إذن ليس من أجل سواد عيني ابن تيمية خوفاً من أن يظلم أو يُفترَى

عليه؛ بل تورعاً عن استجابة دعوته الملحة للناس أن يكفروه! فأي جريمة وأي

ذنب يماثل ذلك؟! وكيف يقدم مثل البوطي على ذلك؟ هاهنا الورع يتدخل، فيحل

المشكلة!

هذا كلام له خَبئٌ معناه ليست لنا عقول!

وبقي غموض يسير يحتاج إلى تجلية وهو مرجع الضمير في الفعل «نكفره»

من قوله: «فإنها لدعوة منه بلا ريب إلى أن نكفره» فقد رجعته حينما شرحت

كلامه إلى الناس (ومنهم البوطي)، وقد يكون مرجعه الشيخ البوطي نفسه فقط! كما

يقال: نحن الملك، أو نحن رئيس الجمهورية نرسم بما يلي، وأي المعنيين اختار

القارئ فهو مصيب، ويصعب على الناقد الحكم: أي المعنيين أبلغ!

عود على بدء:

ولكن عجباً! يبدو الشيخ البوطي وكأنه يكتب رسالة تهديدية إلى ابن تيمية،

وبينهما قرون طويلة! ألا يعلم الشيخ - أطال الله عمره - أن ابن تيمية الآن في

مقام الذي لا يستطيع أن يقبل أو يرفض فيوجه إليه هذا الإنذار النهائي؟!

إنه الأدب يا صاحبي.

ومن صَحِبَ الليالي عَلَّمَتْهُ خداعَ الإلفِ والقيلَ الُمحالا

وغيَّرت الخطوبَ عليه حتى تريهِ الذرَّ يحملنَ الجْبالا

خاتمة التعليق على الحاشية:

أنت - أيها القارئ الكريم، أمام البوطي - أحد رجلين:

1) إذا لم تعجز عن تصديق ما يقول؛ وساعدتك قواك العقلية والنفسية على

الإيمان بأن قوله هو المتفق مع كتاب الله، والمنسجم مع هدي رسول الله -صلى

الله عليه وسلم- فأنت متدبر للحق، محرر قلبك من شوائب: العصبيات والأهواء.

2) وإذا - لا سمح الله - عجزت عن ذلك لسبب من الأسباب - والأسباب

كثيرة! - فأنت على الضد من ذلك، يقول: «ولعل كل متدبر للحق، محرر قلبه

من شوائب العصبيات والأهواء، لا يعجز كل عن تصديق ما أقول، وعن اليقين

بأنه المتفق مع كتاب الله، والمنسجم مع هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم».

إنها دعوة تهديدية للموافقة، فمن يحب أن يكون معرضاً عن الحق؟، مملوءاً

قلبه بشوائب العصبيات والأهواء؟! لا خيار لقارئ الشيخ البوطي، وكأن هذا

الأسلوب التسلطي متأثر بالمناخ الذي يخيم على بلادنا العربية وشعوبنا الإسلامية،

والاستفتاءات التي تطالعنا كل بضع سنين، والتي لا خيار لك فيها إلا أن تقول:

نعم، وإلا فأنت عميل، أو خائن، أو طابور خامس، أو غير ذلك مما في معاجم

تجار الشعارات من الأوصاف المقززة وعندها فالويل والثبور لك!

وقد تكرر منه أمثال هذه العبارات التي تدل بمنطوقها ومفهومها على أن طرق

المعرفة كلها ينبغي أن تُسَدّ، إلا ما يوصل إليه، مع أنه ينعى على هذا الأسلوب

التسلطي الذي يمنيك وينعم عليك بكريم الأوصاف تحريضاً على موافقته على

استنتاجاته، فإن لم تفعل وكان عندك تحفظ ما؛ سلّط عليك عكس تلك الأوصاف

صراحة أو بمفهوم المخالفة.

في العدد القادم الحلقة الأخيرة


(1) لا ندري لماذا أضاف (ال) التعريف لهذا الشخص؟ لعله ليزيده تعريفاً وإلا فهو مشعور بدون (ال)،
أو لعل الـ هربت من ابن العماد إلى حاجي خليفة.
(2) يا ليت الشيخ ذكر لنا بياناً واحداً على سبيل المثال فقط، ليكون قد قدم خدمة جُلَّى لمن لا
يقرؤون لابن عربي!.
(3) ترجمان الأشواق لابن عربي ص 19.

((مجلة البيان ـ العدد [39] صـ 9 ذو القعدة 1411 ـ مايو 1991))

ـ[عبدالله بن خميس]ــــــــ[20 - 11 - 04, 03:16 م]ـ
بعضَ عنائك يا شيخ
عبد القادر حامد
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير