أنباء الغيب وغوامض المعاني ووقوفهم في ذلك مع ظاهر النص دون تعطيل ولا تشبيه، فهذا معناه أن طريقة السلف طريقة بدائية تقف عند ظاهر النصوص، وليست طريقة علمية تنفذ إلى غور النصوص ومقاصدها.
التعقيب العاشر:
من (ص 42 – 47) يحاول أن يسوغ مخالفة بعض الخلف لمنهج السلف باتساع بلاد الإسلام ودخول أجناس من البشر في دين الإسلام، وهم يحملون ثقافات أجنبية وبتوسع في مجالات الحياة المعيشية باختلاف الملابس والمباني والأواني والصناعات والأطعمة. . . إلى غير ذلك مما ذكره من الكلام الطويل، إلى أن قال في النهاية:
فلو كانت اتجاهات السلف واجتهاداتهم هذه حجة لذاتها لا تحتاج هي بدورها إلى برهان أو مستند يدعمها؛ لأنها برهان نفسها، إذ لوجب أن تكون تلك النظرات " يعني نظرات السلف " المتباعدة المتناقضة كلها حقا وصوابا، ولوجب المصير _ ودون أي تردد إلى رأي _ المصوبة (3)، ولما احتاج أولئك السلف رضوان الله عليهم أن يلجؤوا أخيرا من مشكلة هذا التناقض والاضطراب إلى منهج علمي يضبط حدود المصالح. . . إلخ ما قال.
ونحن نجيبه عن ذلك بجوابين:
الجواب الأول: أن السلف لم يختلفوا في مسائل العقائد والإيمان وإنما اختلفوا في مسائل الاجتهاد الفرعية، وليس ذلك اضطرابا وتناقضا كما يقول، وإنما هو اجتهاد.
الجواب الثاني: أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمرنا باتباعهم بقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وقال عن الفرقة الناجية: (هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم أنا وأصحابي) وأثنى الله على من اتبعهم ورضي عنه معهم فقال سبحانه {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} والإمام مالك بن أنس - رحمه الله - يقول: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. فيجب اتباعهم والأخذ بأقوالهم لا سيما في العقيدة؛ لأن قولهم حجة كما هو مقرر في الأصول.
التعقيب الحادي عشر:
في (ص 53 – 54) وصف الكوثري بأنه محقّق، ونقل كلاما له ذكر فيه أن عدة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس بثوا بين أعراب الرواة من المسلمين أساطير وأخبارا في جانب الله فيها تجسيم وتشبيه وأن المهدي أمر علماء الجدل من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين والزنادقة (4) وأقاموا البراهين وأزالوا الشبه وخدموا الدين. هكذا وصف الكوثري رواة الإسلام بأنهم أعراب راجت عليهم أساطير اليهود والنصارى والمجوس، وهذه الأساطير بزعمه هي الأخبار المتضمنة لأسماء الله وصفاته لأنها تفيد التشبيه والتجسيم عنده وأثنى على علماء الكلام الذين ردوا هذه الروايات ووصفهم بالدفاع عن الإسلام والرد على الملحدين والزنادقة.
وأما علماء الكتاب والسنة فليس لهم دور عند الكوثري في الذب عن الإسلام والرد على الملاحدة والزنادقة. وقد نقل الدكتور كلامه هذا مرتضيا له ووصفه بالمحقق والله المستعان.
التعقيب الثاني عشر:
في (ص 63) يرى في فقرة (1) أنه يجب التأكد من صحة النصوص الواردة والمنقولة عن فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرآنا كانت هذه النصوص أو سنة.
ونقول له: أولا: هل القرآن يحتاج إلى تأكد من صحته؟ أليس هو متواترا تواترا قطعيا؟ وإذا كان يريد بعض القراءات فلماذا لم يبين ويقيد كلامه بذلك؟
ثانيًا: هل القرآن من فم الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالسنة أو هو وحي كله، لفظه ومعناه من الله تعالى والرسول مبلغ فقط أن كلامه هذا يوهم أن القرآن من كلام الرسول كالسنة، وليس هو كلام الله تعالى.
التعقيب الثالث عشر:
قال في (صفحة 63 – فقرة ج) أنه يجب على الباحث عرض حصيلة تلك المعاني " أي معنى النصوص الصحيحة " التي وقف عليها وتأكد منها على موازين المنطق والعقل لتمحيصها، ومعرفة موقف العقل منها. ا هـ.
¥