تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أسعد بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه).

فبين صلى الله عليه وسلم أن أحق الناس بشفاعته يوم القيامة من كان أعظم توحيداً وإخلاصاً؛ لأن التوحيد جماع الدين، والله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فهو سبحانه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، فإذا شفع محمدا صلى الله عليه وسلم حدَّ له ربه حدا فيدخلهم الجنة، وذلك بحسب ما يقوم بقلوبهم من التوحيد والإيمان. وذكر صلى الله عليه وسلم أنه من سأل الله له الوسيلة حلت عليه شفاعته يوم القيامة، فبين أن شفاعته تنال باتباعه بما جاء به من التوحيد والإيمان. وبالدعاء الذى سن لنا أن ندعو له به.

وأما السؤال بحق فلان فهو مبنى على أصلين:

أحدهما: ما له من الحق عند الله. والثانى: هل نسأل الله بذلك كما نسأل بالجاه والحرمة؟

أما الأول فمن الناس من يقول: للمخلوق على الخالق حق يعلم بالعقل، وقاس المخلوق على الخالق، كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة وغيرهم. ومن الناس من يقول: لا حق للمخلوق على الخالق بحال، لكن يعلم ما يفعله بحكم وعده وخبره، كما يقول ذلك من يقوله من أتباع جهم والأشعرى وغيرهما، ممن ينتسب إلى السنة.

ومنهم من يقول: بل كتب الله على نفسه الرحمة، وأوجب على نفسه حقاً لعباده المؤمنين كما حرم الظلم على نفسه، لم يوجب ذلك مخلوق عليه ولا يقاس بمخلوقاته، بل هو بحكم رحمته وحكمته وعدله كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم، كما قال فى الحديث الصحيح الإلهى: (يا عبادى، إنى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا). وقال تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54]، وقال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] وفى الصحيحين عن معاذ، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معاذ، أتدرى ما حق الله على عباده؟) قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً. يا معاذ، أتدرى ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟) قلت الله ورسوله أعلم، قال: (حقهم عليه ألا يعذبهم). فعلى هذا القول لأنبيائه وعباده الصالحين عليه سبحانه حق أوجبه على نفسه مع إخباره، وعلى الثانى يستحقون ما أخبر بوقوعه، وإن لم يكن ثَمَّ سبب يقتضيه.

فمن قال: ليس للمخلوق على الخالق حق يسأل به ـ كما روى أن الله تعالى قال لداود: (وأى حق لآبائك علىّ؟) ـ فهو صحيح إذا أريد بذلك أنه ليس للمخلوق عليه حق بالقياس والاعتبار على خلقه كما يجب للمخلوق على المخلوق، وهذا كما يظنه جهال العباد من أن لهم على الله سبحانه حقاً بعبادتهم.

وذلك أن النفوس الجاهلية تتخيل أن الإنسان بعبادته وعلمه يصير له على الله حق من جنس ما يصير للمخلوق على المخلوق، كالذين يخدمون ملوكهم وملاكهم، فيجلبون لهم منفعة، ويدفعون عنهم مضرة ويبقى أحدهم يتقاضى العوض والمجازاة على ذلك، ويقول له عند جفاء أو إعراض يراه منه: ألم يفعل كذا؟ يمن عليه بما يفعله معه، وإن لم يقله بلسانه كان ذلك فى نفسه.

وتخيل مثل هذا فى حق الله تعالى من جهل الإنسان وظلمه، ولهذا بيّن سبحانه أن عمل الإنسان يعود نفعه عليه، وأن الله غنى عن الخلق، كما فى قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، وقوله تعالى: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7] وقوله تعالى: {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]، وقال تعالى فى قصة موسى ـ عليه السلام ـ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 7، 8]، وقال تعالى: {وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير