لما كنت بدمشق سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف , حكى لي جماعة منهم الأستاذ شريف اليعقوبي معجزة عظيمة لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , وفضيلة ظاهرة لأهل بيته الكرام حصلت لرجل بدمشق كان ضابطاً في الجيش التركي أيام الحرب العظمى , وكانت تركيا تأخذ الجنود للحرب قهراً من جميع ممالكها , وكان من جملة الجنود الذين تحت حكم هذا الضابط رجل شريف ـ أظنه من ناحية الموصل ـ , فجاءه يوماً فقال له: أنا رجلٌ شريف من آل بيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , ولي والدة ليس لها غيري , فأحب أن تطلق سراحي لأرجع إليها وتسترني حتى لا تأتيني عقوبة من الحكومة ... قال: فَرَقَّ له , وأجابه إلى ما طلب ... ثم بعد انتهاء الحرب لمدة نحو عشر سنين , مرض ذلك الضابط بالفالج مرضاً شديداً؛ مات به رجلاه ويداه وأخيراً لسانه , وعجزت الأطباء عن علاجه , وبقي ملقى على الفراش لا حراك , ولا كلام ... قال الشيخ شريف:فذهبت يوماً أعوده أنا وجماعة من الأصدقاء , لأنه كان لنا صديقاً , فقلت له: يا فلان , لم يبق الآن إلا الإلتجاء إلى الله , والتوسل إليه بحبيبه سيدنا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , فأكثر من الصلاة عليه ... قال: فأشار إلينا بعينه ورأسه , فهمنا أنه يقول: ليس له لسان يصلي به على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , فقلنا له: اشتغل بذلك بقلبك , وخرجنا ... وكان ذلك قبيل الزوال.
قال: فاشتغل بالصلاة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقلبه والإستغاثة به ذلك الحين , فلما كان في وقت السحر , رأى ـ وهو نائم ـ ذلك الشريف الذي كان جندياً في عسكره وأطلقه , أتى إليه وأخذ بيده وقال: قم معي , فذهب به إلى براح , فإذا قبة مضروبة وعلى بابها أنس بن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: فقال له: استأذن لي على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , قال: فاستأذن , فأذن لنا , فدخلنا , فإذا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأظنه قال وأبوبكر وعمر , قال: فتقدم ذلك الشريف وقال: يارسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , هذا أغاثني وقد كنت في أشد حسرة وهو الآن في أشد حسرة , فأغثه يا رسول الله.
قال: فقال لي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قرّب " , فقربت منه , فأمرَّ يده الشريفة على جسدي , فانتبهت فرحاً مسروراً , فصرت أنادي أختي بلسان فصيح , فجاءت مندهشةً , وقلت: أطعميني فإني جائع , فأتتني بالطعام وقمت في الحال ....
وبعد أن حكى لي شريف اليعقوبي هذه الحكاية , قال لي: تعال نزور الرجل ... فذهب بي إلى منزله , فخرج إلينا الرجل بنفسه , وأدخلنا منزله الجميل , وسقانا القهوة , وقال له اليعقوبي: هذا فلان جاء ليزورك ويشاهد معجزة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيك , قلت: وكان رجلاً ربع القامة إلى القصر أقرب , وأتذكر أني وجدت السبحة بيده , يصلي بها على رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , وشرف وكرم ومنَّ علينا بشفاعته في الدنيا والآخرة ... آمين.
ومعجزات رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - التي أغاث بها المرضى في المنام ـ كما وقع لهذا الرجل ـ كثيرة لا تحصى , ولو تتبعت وجمعت لجاءت في مجلد حافل , وقد مر علينا أثناء المطالعة كثير منها , فأغفلنا تقييدها.
ونذكر منها الآن: أن الحافظ ذكر في " أنباء الغمر بأبناء العمر " , وكذلك تلميذه السخاوي في " الضوء اللامع ": أن سرداح بن مقبل الحسني الينبعي , كان والده أميراً على الينبع , فقبض عليه الملك الأشرف وعلى والده سرداح ـ المذكور ـ , وسجنا بالإسكندرية , إلى أن مات الوالد في السجن , ثم أمر السلطان بولده سرداح أن يكحل؛ فكحل حتى سالت حدقتاه وورم دماغه وأنتن , فتوجه إلى المدينة , فوقف عند قبر جده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - , وشكى مابه , فلما كان باليل؛ رأى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في منامه , فمسح بيده الشريفة على عينيه فأصبح وعيناه أحسن مما كانت , فاتهم السلطان من كحله أنه لم يفعل , فأقيمت عنده البينة بمشاهدة المِيْل المحمي بالنار وهو يكل به بحيث سالت حدقتاه بحضورهم ,
¥