ويتميز البغوي – رحمه الله – في تفسيره بجودة اختياره وانتخابه لنصوص الحديث التي يوردها في مطاوي التفسير وتحريه، وحرصه على الصحيح منها، وبُعده وإعراضه عن الضعيف والمنكر من الأحاديث مما لا يتناسب ولا يتفق مع تفسير كتاب الله تعالى، وحول هذا يقول – رحمه الله – في مقدمة تفسيره: (وما ذكرتُ من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء الكتاب على وفاق آية أو بيان حكم فهي من الكتاب المسموعة للحفاظ وأئمة الحديث، وأعرضت عن ذكر المناكير وما لا يليق بحال التفسير).
ولا غرابة أن نجد من البغوي – رحمه الله – هذه العناية الكبيرة بالحديث، فهو ذو قدم راسخة، وذو اهتمام أصيل بالحديث النبوي.
وقد سلك البغوي – رحمه الله – طريق المحدثين في إيراده إسناد الحديث حتى الصحابي الذي روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعله اكتفى بذكره لرجال السند واستغنى به عن تخريجه لنصوص الأحاديث النبوية الشريفة، ولذلك فالملاحظ أنه لم يخرج الأحاديث التي ذكرها في تفسيره وإن كان قد خرَّج البعض منها واكتفى بالبعض الآخر ببيان درجته أي الحديث من الصحة والحسن، وهناك نماذج لبعض الأحاديث ذكرها مع رجال السند والتخريج في كتابه.
لكن بعض الأحاديث القليلة لم يذكر البغوي – رحمه الله – رجال السند فيها ولعله ذكر تلك الأحاديث في موضع سابق مع رجال السنة فلم يذكرها تجنباً للتكرار.
وتحتل نصوص الحديث النبوي والسنة المطهرة مساحة فسيحة في تفسيره حتى يبلغ الأمر به أن يعقد فصولاً حديثية في مقام التدليل على المعنى المراد في تلك الآية، وهو شغف وتعلق كبير يكشف عنه محدثاً كبيراً رحمه الله.
ثالثاً: حرصه في تفسيره على المأثور من أقوال الصحابة والتابعين:
جاء تفسير الإمام محيي السنة البغوي – رحمه الله – (معالم التنزيل) فضلاً عن اعتماده على الكتاب والسنة اعتماداً ظاهراً، معتمداً على المأثور من تفسير الصحابة والتابعين (رضي الله عنهم أجمعين) وهو اعتماد يكاد يكون مطلقاً لا حدود له، ومقدمة تفسيره تكشف لنا بوضوح عن اتجاهه النقلي في تفسير آيات كتاب الله فمصادر تفسيره – في المقام الأول – كتب التفسير بالمأثور وقد بلغت مصادره في المأثور والأخبار خمسة عشر مصدراً وهي لابن عباس ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وقتادة، وأبي العالية، والقُرظي، وزيد بن أسلم, والكلبي، والضحاك، ومقاتل بن سليمان، والسدي، ووهب بن منبه، ومحمد بن إسحاق.
والملاحظ على بعض تلك الطرق التي تلقى بها تفاسير الصحابة رضي الله عنهم أنها ضعيفة واهية ليست معتبرة أو معتمدة لدى علماء الجرح والتعديل كما بالنسبة للطريق الثاني في تفسير ابن عباس عن ابن عطية سعد العوفي عن عمه عن أبيه عن جده عطية فهي غير مرضية لأن عطية ضعيف ليس بواهٍ. وكذلك بالنسبة لتفسير زيد بن أسلم لأنه من تفاسير ضعفا ء التابعين عن طريق ابنه عبدالرحمن وهو من الضعفاء.
ولكن أكثر تلك الطرق جيدة وحسنة وصالحة في النقل عن هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم كما بالنسبة للطريق الأول لتفسير ابن عباس وهي عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة فهي أجود الطرق عنه.
وكذلك بالنسبة للطريق الثالث في تفسير ابن عباس ما أُخذ عن عكرمة بطريق الحسن بن واقد فهي جيدة وإسناده حسن.
وكذلك بالنسبة لتفسير مجاهد عن طريق ابن أبي نجيح فالطريق إلى ابن أبي نجيح قوية.
وكذلك بالنسبة لتفسير مقاتل بن حيان فهو صدوق في المرتبة الرابعة عند بعض العلماء.
(البغوي منهجه في التفسير).
ولكن نقله عن السلف لم يكن طريقه ومسلكه الوحيد في تفسيره، ومن أجل ذلك قال الدكتور/ محمد محمد أبو شهبة عن تفسيره: (بأنه ليس خالصاً للتفسير بالمأثور بل جمع فيه بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي والاجتهاد المقبول). فهو وسط بين كتب التفسير بالمأثور نحو تفسير ابن جرير الطبري، والدر المنثور للسيوطي، وبين كتب التفسير بالرأي والاجتهاد.
وكذلك جاء هذا الوصف من قبل الدكتور/ منيع عبدالحليم محمود في كتابه مناهج المفسرين، والدكتور/ عبدالله محمود شحاته في كتابه تاريخ القرآن والتفسير.
وهكذا نخلص إلى أن كتابه رحمه الله (معالم التنزيل) من الكتب المعتبرة في التفسير بالمأثور وهو الغالب على منهجه وطريقته ولكنه ليس خالصاً للتفسير بالمأثور.
¥