"ومن المصطلحات المثيرة للبس في أذهان طلاب العلم وعمامة المسلمين مصلح " الكف عما شجر بين الصحابة " الذي تردد ذكره في العقائد والمقولات والفرق، حتى أصبح يعد أصلا من أصول أهل السنة والجماعة. وقد ذكر اللالكائي من " اعتقاد أهل السنة " " الترحم على جميع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والكف عما شجر بينهم "
مرد اللبس هنا أيضا هو عدم فهم المصلح في السياق الزمني الذي استخدمه علماء الإسلام فيه. فقد أراد أعلام الإسلام بهذا المصطلح معنيين: أحدهما إلجام من لم يتسلح بتفاصيل تلك الأحداث ودقائقها من المصادر الموثوقة عن الخوض فيها أصلا، حذرا من المجازفة في النقل والكذب على الأصحاب، والثاني: النهي عن الخوض المؤدي إلى لعن الصحابة أو تكفيرهم .. مما اعتاد المبتدعة على فعله".
ولكن الخلف فهموا من كلام السلف هنا غير ما أرادوا، وأوله بإن المراد به الإمساك مطلقا عن الحديث في الموضوع أو تناوله ولو لغرض التأصيل الشرعي والاعتبار التاريخي، فضيقوا واسعا، وألزموا الناس بما لا يلزم.
====================
النقاط موضع النقاش:
1ـ هل لأهل لأهل السنة مما جرى بين صحابة عدة مذاهب كما ادعى الكاتب؟
2ـ وهل المقصود بأمرهم الكف عن ذلك ناس معينون كما قال؟
هذا الكلام الذي ادعاه المؤلف عن أهل السنة في الموقف من ذكر ما جرى بين الصحة، مجرد ادعاء لم يقم عليه المؤلف دليلا من كلام أهل السنة، فأهل السنة لم يختلفوا في قضية الكلام فيما جرى ين الصحابة، بل موقفهم فيه واضح؛ وتحريره: أن ذكر ما جرى بين الصحابة على وجه التاريخ دون طعن على أحد منهم فهذا مكروه عندهم، لأنه لا عمل تحته، ويخاف أن يجر صاحبه إلى المحذور، فنهيهم عنه من باب صد الذرائع.
، وهذا وجيه من الناحية الشرعية والعقلية، فلا يشك شاك أن الإنسان لو كف عن عمل لا ينفعه، وقد يضره دل كفه على كمال عقله وتورع لدينه، وأن فعله له يدل على ضعف في عقله، وقلة احتياط لدينه.
وأما ذكره على وجه الطعن عليهم به، والكلام فيهم بما ينافي فضلهم فلا شك في حرمته، ولم يختلف أهل السنة في تحريمه وتبديع فاعله، وهذا الإجماع مبني على نصوص كثيرة من الكتاب والسنة تبين فضل الصحابة، ومتانة دينهم وحسن استقامتهم، وتنهى عن سبهم وتنقصهم.
وهذا ذكر كلامهم الذي يدل على ما ذكرت عنهم:
====================
في السنة للخلال
723 أخبرني عصمة بن عصام قال قال حنبل أردت أن أكتب كتاب صفين والجمل عن خلف بن سالم فأتيت أبا عبد الله أكلمه في ذاك وأسأله فقال وما تصنع بذاك وليس فيه حلال ولا حرام وقد كتبت مع خلف حيث كتبه فكتبت الأسانيد وتركت الكلام وكتبها خلف وحضرت غندر واجتمعنا عنده فكتبت أسانيد حديث شعبة وكتبها خلف على وجهها قلت له ولم كتبت الأسانيد وتركت الكلام قال أردت إنأعرف ما روى شعبة منها قال حنبل فأتيت خلف فكتبتها فبلغ أبا عبدالله فقال لأبي خذ الكتاب فاحبسه عنه ولا تدعه ينظر فيه
إسناده صحيح
السنة للخلال ج: 2 ص: 464
وجه الدلالة على ما ذكرنا: أن أحمد بن حنبل لم يقل له هذا حرام، ولم يبدعه فيما فعل، ولكن كره له ذلك وبين له وجه كراهيته له.
وقد حرر الإمام الذهبي هذه المسألة في سير أعلام النبلاء فقال:
"كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه لتصفو القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علمنا الله تعالىحيث يقول والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا الحشر 10 فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع منهم وجهاد محاء وعبادة ممحصة ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة .. فأما ما تنقله الرافضة وأهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليه ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء فدأب الروافض رواية الأباطيل أو رد ما في الصحاح والمسانيد ومتى إفاقة من به سكران"
سير أعلام النبلاء ج: 10 ص: 92
¥