ـ[عبد الله الشنقيطي]ــــــــ[16 - 01 - 05, 09:40 م]ـ
بعد أن تأكدنا بما مر؛ أن الكاتب قد خالف منهج أهل السنة والجماعة في طريقة تناولهم لتاريخ الصحابة، ونسف القواعد المنهجية لتي بينوا أنه يجب على الكاتب أن يراعيها، وهو يكتب عن تلك الفترة، وذلك الجيل. بقي سؤال يحق للقارئ الكريم أن يطرحه، من أين استقى الكاتب هذا المنهج.
في هذه الوقفة سنحاول أن نبين من أين استقى هذا المنهج، يرى المطلع على ساحة الثقافية، أن كثيرا من الكتاب الكبار الذين تتمدح بهم الصحف، وتلمعهم وسائل الإعلام الآخر، قد سرت في كتاباتهم سموم المستشرقين، وتلامذتهم من المستغربين، وقد يظن قليل الإطلاع أن هذا الداء قد سلم منه الكتاب الإسلاميين، وأنا أقول له على رسلك، كلا. فهذه السموم قد سرت في كتابات كثير من الإسلاميين، ولعل لاتجاه العصراني أو ضح مثال لذلك، بل جل اهتماماته هي تطويع الإسلام للمبادئ الغربية، ووصم كل ما لا يتماشى معها، بأنه فهم خاطئ للإسلام، والكاتب كما لا يخفى هو أحد أصحاب هذا الاتجاه، وأكبر دليل على ذلك، تصدر كتابه بمقدمة كتبها أحد رواد هذا الاتجاه، وهو راشد الغنوشي، فلا عجب أن كان، متأثرا في منهجه، بمنهج المستشرقين، وتلامذتهم، فقد رأينا في كتابه تطابقا كبيرا بين ما كتب، وما كتبوا. وسأحاول أن أبين في هذه الوقفة بعض التشابه الذي وجدته، وسأختصر، لأني أقصد التمثيل لا لاستقصاء.
قال المستشرق فلها وزن: " ولكن أحد لم ينس أبدا للأمويين أنهم كانوا أول أمرهم أخطر أعداء النبي وأنهم لم يعتنقوا الإسلام إلا في الساعة الأولى مكرهين، وأنهم عرفوا بعد ذلك كيف يجنون لأنفسهم ثمرة انتصاره وسيادته، وذلك من طريق استغلال ضعف عثمان أولا، ومن طريق المهارة في استغلال مقتله بعد ذلك.
ولقد كان أصل الأمويين لا يجعلهم أهلا لقيادة الأمة المحمدية، وكان من السخرية فكرة الحكومة الثيوقراطية أن يظهر الأمويون يمثلها الأغلبية، فهم كانوا مغتصبين، وظلوا كذلك، ولم يكونوا يستندون إلا إلى قوتهم الخاصة إلى قوة الشام.
تاريخ الدولة العربية ص 59
فهذا المستشرق يرى أن الأمويين وهو يقصد بهم بعاوية، ومن معه، توافرت لهم عدة أمور استغلوها، من أجل الملك. وهي ضعف عثمان، استغلال مقتله، قوت أهل الشام.
ولو قام إنسان بمقارنة هذا الكلام، بكلام الشنقيطي الآتي، لو جد تشابها كبيرا.
وقال في ص 224
وأسوأ ما في دور مروان في تلك الفتن السياسية أمور أربعة:
"أولهما تأثيره على ذي النورين عثمان رضي الله عنه، ودوره الجوهري في إيثار بني أمية بالسلطة والثروة في أيامه، خصوصا مع كبر عثمان في السن، وضعفه الفطري".
فهذا هو استغلال ضعف عثمان الذي ذكره المستشرق.
وقال في ص 125
وتفسير حرب صفين بأسبابها الحقيقية وهي مطامح الملك لدي معاوية وعمرو، وتجوزهما حدود الشرع في الدماء والجنايات في الطريقة التي طلبا بها الأخذ بدم عثمان.
فهذا هو استغلال مقتل عثمان.
وقال ص 175
وبعد أن ذكر مراسلة بين معاوية وأبي موسى الأشعري.
"وتكشف هذه المراسلة عن الفرق بين تصور أبي موسى الأشعري لموضوع الخلافة الذي اعتبره جسيم أمر هذه الأمة. يخاف ربه إذا سأله عنه، وبين تصور معاوية الذي لم يكن يرى بأسا بالاستيلاء عليها بتوزيع العطايا والمناصب وإشهار السيوف والرماح".
وهذا هو الاستيلاء بالقوة الذي ذكره المستشرق.
فكرة الكتاب بكل بساطة هي أن معاوية رضي الله عنه أرغم الأمة على لاستبداد بقتاله وشرائه الذمم من أجل الملك، وكرس هذا المبدأ بولايته العهد لابنه يزيد، و سن ذلك لمن جاء بعده من الملوك فصار يولى أهل بيته. وتولد من ذلك ظلم كبير للأمة على معاوية وزره ما عمل به إلى يوم القيامة، فمعاوية لم يقاتل علي من أجل قتلة عثمان، وإنما قاتل من أجل الملك.
وكل القواعد المذكور في الكتاب هي لتقرير هذه القضية أو في الهجوم على من يردها أو ادعاء لتقبلها أو نزع كل ما يمنع منها.
ولأن معاوية من الصحابة و الطعن فيه طعن في أحد من الصحابة، عنون كتابه
"الخلافات السياسية بين الصحابة "
ثم صاغ تلك القواعد التي أراد أن يصل من خلالها إلى ما أراد من طعن في معاوية وعمرو بن العاص.
¥