أما العدل في اللغة: فهو عبارة عن المتوسط في الأمور من غير إفراط في طرفي الزيادة والنقصان ومنه قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) أي عدلا، فالوسط والعدل بمعنى واحد، وقد يطلق في اللغة ويراد المقابل للجور، وهو اتصاف الغير بفعل ما يجب له، وترك ما لا يجب، والجور في مقابلته، وقد يطلق ويراد به ما كان من الأفعال الحسنة يتعدى الفاعل إلى غيره، ومنه يقال للملك المحسن إلى رعيته: عادل.
وأما في لسان المتشرعة، فقد يطلق ويراد به أهلية قبول الشهادة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الغزالي في معنى هذه الأهلية إنها عبارة عن استقامة السريرة والدين، وحاصلها يرجع إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه.
وذلك إنما يتحقق باجتناب الكبائر وبعض الصغائر وبعض المباحات ....
وأما بعض المباحات فما يدل على نقص المروءة، ودناءة الهمة، كالأكل في السوق، والبول في الشوارع، وصحبة الأراذل والإفراط في المزح، ونحو ذلك مما يدل على سرعة الإقدام على الكذب، وعدم الاكتراث به. ولا خلاف في اعتبار اجتناب هذه الأمور في العدالة المعتبرة في قبول الشهادة والرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن من لا يجتنب هذه الأمور أحرى أن لا يجتنب الكذب، فلا يكون موثوقا بقوله، ولا خلاف أيضا في اشتراط هذه الأمور الأربعة في الشهادة"
الإحكام للآمدي ج: 2 ص: 88
================
عدالة الصحابة عند المحدثين هل هي عدالة رواية كما ذكرتم، أم أنها عدالة ديانة؟
ونترك أعلم الناس بمذاهبهم يحدثنا عن ذلك، ولكن بعد أن نعرف القراء مكانته بين أهل هذا الشأن علماء الحديث.
المتحدث إلينا عن ذلك هو الخطيب البغدادي.
قال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر وهو يتحدث عن التأليف في علوم الحديث: ثم جاء من بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي، فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه "الكفاية " وفي آدابها كتابا سماه "الجامع لآداب الشيخ والسامع " وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: " كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه "
كفى بها شهادة من الحافظ ابن نقطة للخطيب وموافقة الحافظ ابن حجر له عليها.
قال الخطيب البغدادي:
"ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة
وانه لا يحتاج إلى سؤال عنهم وإنما يجب فيمن دونهم كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم في نص القرآن فمن ذلك قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) وهذا اللفظ وان كان عاما فالمراد به الخاص وقيل هو وارد في الصحابة دون غيرهم. وقوله: (لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا) وقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه) وقوله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم) وقوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) وقوله تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوأوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون)
¥