وقال أبو نعيم: "فمن أسوأ حالاً ممن خالف الله ورسوله وآب بالعصيان لهما والمخالفة عليهما. ألا ترى أن الله تعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بإن يعفو عن أصحابه ويستغفر لهم ويخفض لهم الجناح، قال تعالى: {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} (سورة آل عمران: 159). وقال: {واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين} (سورة الشعراء: 215).
فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن، فهو العادل عن أمر الله تعالى وتأديبه ووصيته فيهم. لا يبسط لسأنه فيهم إلا من سوء طويته في النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته والإسلام والمسلمين" (الإمامة: ص 375 - 37).
قال الداني: " من قولهم أن يحسن القول في السادة الكرام، أصحاب محمد عليه السلام وأن تذكر فضائلهم وتنشر محاسنهم، ويمسك عما سوى ذلك مما شجر بينهم ..
الرسالة الوفية ص 132
وقال الصابوني: " ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطهير الألسن عن ذكر يتضمن عيبا لهم ونقصا فيهم."
عقيدة الصلف أصحاب الحديث ص 294
قال حافظ حكمي:
"ثم السكوت واجب عما جرى ... بينهم من فعل ما قد قدرا
فكلهم مجتهد مثاب ... وخطؤهم يغفره الوهاب
أجمع أهل السنة والجماعة الذين هم أهل الحل والعقد الذين يعتد بإجماعهم على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان رضي الله عنه والاسترجاع على تلك المصائب التي أصيبت بها هذه الأمة والاستغفار للقتلى من الطرفين والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر مناقبهم، عملا بقول الله عز وجل "والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان " (الحشر 10) الآية، واعتقاد أن الكل منهم مجتهد إن أصاب فله أجران، أجر على اجتهاده وأجر على إصابته، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد والخطأ مغفور، ولا نقول أنهم معصومون بل مجتهدون إما مصيبون وإما مخطئون لم يتعمدوا الخطأ في ذلك، وما روى من الأحاديث في مساويهم الكثير منه مكذوب، ومنه ما قد زيد فيه أو نقص مه وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون".
معارج القبول 3/ 1208
====================
وبعد هذه النقل التوضيحي لمذهب أهل السنة، في الخوض فيما شجر بين الصحابة وأنهم مجمعون على حرمة الخوض المؤدي إلى الطعن فيهم أو سبهم أو تنقصهم.
وعند التأمل تجد أن الكاتب أخذ هذا القول وشققه، فإن أربعة من الأقوال الخمسة التي ذكر تجمع على عدم الخوض في ما شجر بين الصحابة بما يتضمن تنقصا لهم أو عيبا.
بقي القول الذي ذكره عن الحسن فنقول متى كان يؤخذ من حوادث العين مذهبا، مع ما ذكره أهل العلم من إجماعات لم يستثنوا منها الحسن،والحسن من الشهرة بمكان، فلو كان له مذهب خاص به دون أهل العلم لذكروه في المقالات التي ينقلون عن أهل العلم، فلما لم يذكروا له مذهبا خاصا دل ذلك على عدم وجود مذهب له في ذكر ما جرى بين الصحابة خارج عن مذهب أهل العلم الآخرين.
وقد نقل عن الحسن نفسه ما يؤكد أنه على مذهب أهل العلم الآخرين.
نقل القرطبي في تفسيره قال: " سئل الحسن البصري رحمه الله تعالىعن قتال الصحابة فيما بينهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا.
تفسير القرطبي 16/ 332
فلم يبق هناك بعد هذا الكلام الواضح من الحسن البصري لأهل السنة إلا موقف واحد من الفتنة التي وقعت من الصحابة، وهو ما يذكره أهل السنة والجماعة في كتبهم عنها.
قال الحافظ: "واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين "
فتح الباري ج 13 ص 34
أو مذهب أهل البدع الخوض فيما شجر بينهم بنية الوقيعة في بعضهم أو في أحدهم كما فعل الكاتب في كتيبه. وأهل السنة منه براء.
هل المقصود بما ذكر من مذهب أهل العلم في الكف عما شجر بين الصحابة، ناس دون ناس، لا يشك أي إنسان أن قول أهل السنة في هذه المسألة عقيدة قطعية دل عليها الكتاب والسنة وأجمع عليها أهل السنة، فمثل هذا دين قطعي، والدين القطعي يعم جميع المكلفين.
====================
وأما قوله:
"مرد اللبس هنا أيضا هو عدم فهم المصطلح في السياق الزمني الذي استخدمه علماء الإسلام فيه".
فهذا النص تشم منه رائحة كلام العلمانيين حين يدعون إلى قراءة النص الديني كما قالوا قراءة تاريخية، ويعنون بذلك قاتلهم الله أن القرآن والسنة ناسبا الحياة البشرية وتكيفت معهما في فترة معينة وولت هذه الفترة أما الفترة المعاصرة فلا يصلحان لها، وفي هذا القول من الزندقة ما لا يخفى على ذي عين. ومع ما ذكر نعيذ الكاتب من هذا القول ونظن به الخير، وهو وإن وافقهم في الفظ إلا أننا نعتقد أنه لا يوافقهم في المعنى على الإطلاق. أما هذا المصطلح فهو مصطلح شرعي مبني على كثير من النصوص الشرعية كتابا وسنة، وقد مر معك بعضها مما يجعله شاملا للزمن كله، وما ذكره الكاتب من قوله:
"فقد أراد أعلام الإسلام بهذا المصطلح معنيين: أحدهما إلجام من لم يتسلح بتفاصيل تلك الأحداث ودقائقها من المصادر الموثوقة عن الخوض فيها أصلا، حذرا المجازفة في النقل والكذب على الأصحاب، والثاني: النهي عن الخوض المؤدي إلى لعن الصحابة أو تكفيرهم .. مما اعتاد المبتدعة على فعله".
وهل الواقع اليوم من الكلام في الصحابة إلا ما ذكره الكاتب، فكان على الفهم الذي اختاره الكاتب لكلام السلف يجب أن يوصي بغلق باب الكلام فيهم، أما رأى الكاتب كلام المستشرقين في الصحابة، وكلام الرافضة، وكلام بعض المنتسبين إلى الدعوة، كله من هذا المعجن وحتى كلام الكاتب في كتابه هو لا يخرج عن ما ذكر.
محبكم / عبد الله الشنقيطي
¥