أن تكون القراءة على سنن كلام العرب ولهجاتها التي وافقت الأحرف السبعة، وإن لم تكون مشهورة لدى النحويين، قال الإمام الداني (ت 444 هـ): " وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية، إذا ثبتت لم يردها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها " ().
وأي وجه من القراءات توفرت فيه تلك الشروط فهو من القرآن الذي يجب الإيمان به، ويكفر من جحده ().
وجمهور العلماء على جواز الاختيار بين تلك القراءات، واختياراتهم في ذلك مشهورة، " وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء: قوة وجهه في العربية وموافقته للمصحف واجتماع العامّة عليه " ()، إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء، وهو أنه قد تُرجّح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحاً يؤدي إلى إسقاط القراءة الأخرى أو إنكارها، وهذا غير مرضي، لأن كلتيهما متواترة ().
وأما تفضيل ما يعزى إلى القراء السبعة على ماعداهم من القراء العشرة في القراءات المتواترة فهو من حيث الشهرة فحسب، أما من حيث التواتر فالقراءات السبع والعشر سواء ().
ثانيا ـ القراءة الشاذة:
وهي القراءة التي فقدت أحد الأركان الثلاثة لصحة القراءة، وقد لخص ابن الجزري ذلك بقوله:
وحيثما يختل ركن أثبتِ شذوذه لو أنه في السبعةِ ()
وقوله رحمه الله: " لو أنه في السبعة " يشير إلى أن الاعتماد في صحة أي وجه من وجوه القراءات على ما استجمع تلك الأوصاف، وليست العبرة بمن تنسب إليهم، فالقراء السبعة أو العشرة ـ مع شهرتهم ـ رُوي عنهم ما خرج عن أوصاف القراءة الصحيحة، وحينئذ ينبغي أن يحكم على ما كان كذلك بالشذوذ ()، ولذلك قال أبو العباس الكوَاشي (ت 680 هـ): " ... فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف، ومتى فقد شرط من هذه الثلاثة فهو شاذّ" ().
وقال أبو شامة (ت 665 هـ): " كل قراءة اشتهرت بعد صحة إسنادها وموافقتها خط المصحف ولم تنكر من جهة العربية فهي القراءة المعتمد عليها، وما عدا ذلك فهو داخل في حيز الشاذّ والضعيف، وبعض ذلك أقوى من بعض " ().
ويتضح مما سبق أن مصطلح الشذوذ عند القراء مصطلح خاص، يقصد به ما خرج من أوجه القراءات عن أركان القراءة المتواترة.
وكما أن القراءات المتواترة على مراتب فكذلك القراءات الشاذة تتفاضل أيضا بحسب إسنادها قوة وضعفا، وبحسب رسمها مخالفة وموافقة، وبحسب عربيتها فصاحة ونحوا وتصريفا ().
ويندرج في القراءات الشاذة ما لم يصح سنده من المنكر والغريب والموضوع ().
وامتنع بعض المحققين من إطلاق الشاذ على ما لم ينقل أصلا وإن صح لغة ورسما، وسموه مكذوبا ().
واعتبر بعض القراء وطوائف من أهل الكلام أن جميع ما روي من القراءات الخارجة عن المصاحف العثمانية محمولة على وجه التفسير وذلك بناء على أن تلك المصاحف اشتملت على جميع الأحرف السبعة، فما خرج منها فهو ليس من الأحرف السبعة أصلا،وهذا النوع على هذا المذهب أشبه بأنواع المدرج في علم الحديث.
وذهب أئمة السلف وأكثر العلماء إلى أن المصاحف العثمانية لم تشتمل على جميع الأحرف السبعة، وإنما اشتملت على جزء منها، وأن الجمع العثماني منع من القراءة مالا يحتمله خطه، وعليه فإن ما كان كذلك فهو من القراءات الشاذة وليس من التفسير، ولكن حكمه حكم التفسير بل أقوى ().
ومذهب السلف هو الأسلم والأولى، وهو الموافق لتاريخ القراءات، وبه لا تنخرم إحدى القواعد المعتبرة التي اعتمدها أهل السنة والجماعة في تصحيح القراءة أو تشذيذها، وهي السند والرسم والعربية، وذلك يقتضي أن كل قراءة خرجت عن رسم المصاحف العثمانية قراءة شاذة وليست تفسيرا.
وينبغي التنبه هنا على أن المقصود باشتراط العربية ذا بُعد يرجع إلى نزول القرآن على لسان العرب، وإلى أن أحرفه السبعة لا تخرج عن لهجات العرب، وحينئذ فإن الوجه إذا ثبت نقله واستقام رسمه فلا يحكم عليه بالشذوذ لمجرد طعن بعض النحاة ومن تبعهم، بل القراءة هي الحاكمة والحجة، فكيف إذا كان مقروءا بها في الأمصار والمحاريب، ويرحم الله الإمام ابن مالك (ت672 هـ) إذ انتصر لأحد الوجوه التي أنكرت في قوله:
¥