تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يخبر تعالى عن نبيه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه من أصحابه من المهاجرين والأنصار أنهما بأكمل الصفات وأجل الأحوال وأنهم أشداء على الكفار أي جادون ومجتهدون في نصرتهه وساعون في ذلك بغاية جهدهم فلم ير الكفار منهم إلا الغلظة والشدة فلذلك ذل أعداؤهم لهم وانكسروا وقهرهم المسلمون رحماء بينهم أي متحابون متراحمون متعاطفون كالجسد الواحد يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه هذه معاملتهم مع الخلق وأما معاملتهم مع الخالق فإنك تراهم ركعا سجدا أي وصفهم كثرة الصلاة التي أجل أركانها الركوع والسجود يبتغون بتلك العبادة فضلا من الله ورضوانا أي هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم والوصول إلى ثوابه سيماهم في وجوههم من أثر السجود أي قد أثرت العبادة ـ من كثرتها وحسنها ـ في وجوههم حتى استنارت لما استنارت بالصلاة بواطنهم واستنارت بالجلال ظواهر هم ذلك المذكور مثلهم في التوراة أي هذا وصفهم الذي وصفهم الله به مذكور بالتوراة هكذا ومثلهم في الإنجيل بوصف آخر وأنه موفي كمالهم وتعاونهم كزرع أخرج شطأه فآزره أي أخرج أفرخه فوازرته فراخه في الثبات والاستواء فاستغلظ ذلك الزرع أي قوي وغلظ فاستوى أي قوي واستقام على سوقه جمع ساق أي أصوله والمراد أنه قوي وقام على قضبانه يعجب الزراع من كماله واستوائه وحسنه واعتداله كذلك الصحابة رضي الله عنهم هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه وكون الصغير والمتأخر إسلامه قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه من إقامة دين الله والدعوة إليه كالزرع الذي أخرج شطأه فآزره فاستغلظ ولهذا قال ليغيظ بهم الكفار حين يرون اجتماعهم وشدتهم على أعداء دينهم وحين يتصادمون معهم في معارك النزال ومعامع القتال وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما فالصحابة رضي الله عنهم الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح قد جمع الله لهم بين المغفرة التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة والأجر العظيم في الدنيا والآخرة

تفسير السعدي ج:1 ص:795

ولهذه الأوصاف الشريفة التي وصف الله بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل؛ كان أهل الكتاب الذين عندهم أثارة من علم الأنبياء إذا رأوا أحدا من أصحاب النيبي صلى الله عليه وسلم = يعظمونه ويعترفون أنهم أفضل من كل أصحاب الأنبياء المتقدمين.

قال ابن كثير رحمه الله

"الصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم.ثم ذكر عن مالك ابن أنس رحمه الله أنه قال: ((بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة -رضي الله عنهم- الذين فتحوا الشام، يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك؛ فان هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظهما وأفضلها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى هنا: {ذلك مثلهم في التوراة}. ثم قال: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه} أي فراخه. {فآزره} أي: شده {فاستغلظ} أي: شب وطال. {فاستوى على سوقه يعجب الزراع} أي فكذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آزروه وأيدوه ونصروه، فهو معهم كالشطء مع الزراع ليغيظ بهم الكفار))

تفسير ابن كثير: 4/ 204

الآية الثانية قوله تعالى:

{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} (سورة الحديد: 11).

وجه الدلالة أن الله أخبر في هذه الآية الكريمة أن جميع الصحابة من أسلم قبل الفتح أو بعده قد قاموا بتقديم أعز ما يملكون لهذا الدين وهو المال والنفس فأنفقوا أموالهم في سبيل نصرته وقدموا أنفسهم من أجل عزته وبهذا استحقوا جميعا كرامة الله لأوليائه وهي الجنة.

قال الزمخشري:

وكلا وكل واحد من الفريقين وعد الله الحسنى أي المثوبة الحسن وهي الجنة مع تفاوت الدرجات

الكشاف - الزمخشري ج4/ص473

قال الشيخ السعدي:

أي الذين أسلموا وقاتلوا وأنفقوا من قبل الفتح وبعده كلهم وعده الله الجنة وهذا يدل على فضل الصحابة كلهم رضي الله عنهم حيث شهد الله لهم بالإيمان ووعدهم الجنة

تفسير السعدي ج1/ص839

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير