جد في أثناء الطلب على تحصيل الفقه المالكي , فكان يحضر عدة دروس في اليوم الواحد , وجمع في وقت الطلب " حكمة البصير على مجموع الأمير " في أربعة أجزاء ضخام , وفي وقت الطلب أيضاً جمع كتابه " فتاوى أئمة المسلمين بقطع لسان المبتدعين " , وقد طبع وكان موضع إعجاب مشايخه لمثابرته وجده في التحصيل , فتفوق على الأقران.
وفي سنة 1313 هـ في شهر رجب نال شهادة العالمية بحضور أفاضل علماء الأزهر الشيخ حسونة النواوي الحنفي ـ وكيل الأزهر ومفتي الديار المصرية ـ , والشيخ بكر الصرفي الحنفي , والشيخ أحمد الرفاعي المالكي , والسيد علي الببلاوي المالكي , والشيخ عمر الرافعي الشافعي , والشيخ سليمان العبد الشافعي , وقد أثنى الجميع على علمه , وعمله , ثم اشتغل بالتدريس في الأزهر الشريف فكان يدرس الفقه المالكي والحديث والأصول , ولدعوته الكبيرة الواسعة وحسن إخلاصه التف حوله العديد من العلماء والطلاب , فبنى مسجداً في ساحة منزله بحي الخيامية بالقاهرة المعزية , وأسس جمعية سماها (الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية).
وكان يدرس في المسجد المذكور سنن أبي داود والنسائي والفقه على المذاهب الأربعة , وله درس عام بعد صلاة الجمعة نقل كثير من أحبابه وتلاميذه لنا كثيراً من الكرامات في هذا المجلس المبارك , وألقيت عليه الأشعار , ورؤيت له منامات , وكان صوته جهورياً إلى أول الشارع المعروف اليوم بإسمه في حي الخيامية بالقاهرة.
واعتنى رحمه الله تعالى بسنن أبي داود إعتناءً كبيراً , وعزم على طبع " عون المعبود " بالقاهرة , ولما لم يتيسر له الأمر شرع في وضع شرح واسع عليه سماه " المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود " , وصل فيه إلى باب (الهدى من كتاب المناسك) ـ في عشرة مجلدات.وهو شرح كبير حافل , إعتنى فيه بالكلام على رجال السند وطرق الحديث وبيان مذاهب الفقهاء بالدليل غالباً؛ فأتى شرحاً لانظير له في بابه , وهو أكبر شرح على السنن متداول بين أيدي العلماء والطلاب.
ولابنه العلامة الشيخ أمين بن محمود السبكي تكملة له في أربعة مجلدات أسماها " فتح الملك المعبود " وصل فيه إلى آخر (كتاب الطلاق) , ولعل الله سبحانه وتعالى يقيض لهذ الكتاب المفيد من يتمه ... وقد اعتنى الأستاذ الفاضل الشيخ مصطفى بيومي بوضع فهارس للعشرة أجزاء المطبوعة من " المنهل العذب المورود " , فجاءت درة زينب الكتاب سماه " المفتاح " , وقد طبع.
ومن خصائص هذا الشرح الحافل:
أولاً: يأتي الشيخ أولاً بالكلام على رجال الحديث منبهاً على اختلاف الروايات من زيادة ونقصان .. أو نحو ذلك حسب طاقته ومعرفته.
ثانياً: الاعتناء بضبط الأسماء واللغات.
ثالثاً:بيان معنى الحديث ومأخذ كل مذهب مع استيفاء كامل في ذلك من المصادر الموثوق بها , وفي هذا الباب يأتي بالفوائد الفرائد التي لايفضله فيها أي شرح آخر مطبوع على سنن أبي داود.
رابعاً: يلخص ماذكره في الباب السابق تحت عنوان فقه الحديث , فلله دره فهي طريقة الأئمة في كتاباتهم طريق اللف والنشر المرتب حتى يكون أوقع في نفس الطالب بله العالم والمحدث.
خامساً: الكلام على من أخرج الحديث وفيه يأتي بغرر النقول من كلام أئمة هذا الشأن , فجزاه الله تعالى عن المسلمين خير الجزاء.
سادساً: الاعتناء بتحرير المسائل التي اشتهر الخلاف فيها.
وهذا الأسلوب الذي اتبعه الشيخ محمود خطاب السبكي توسع فيه في الجزء الأول جداً؛ أما الأجزاء الباقية ففيه بعض الاختصار عن الأول لمناسبات عديدة لاتخرجه عن خصائصه ومميزاته.
وقد أثنى على شرحه كثير من أرباب الفقه والحديث؛ منهم العلامة السيد محمد يوسف البنوري , فقال: (وأحسن شرح من كثير من الجهات هو المنهل العذب المورود للشيخ محمود خطاب السبكي المرحوم من أهل العصر. اهـ " بذل المجهود " 20/ 349).
وللمترجم أيضاً كتاب " الدين الخالص " , أو " إرشاد الخلق إلى الحق " في أربعة مجلدات كبار.
وهو كتاب في الفقه على المذاهب المختلفة , سلك فيه مسلك أهل الترجيح , ونقل فيه كثيراً من فتاوى علماء الأزهر المنثورة , وهذا من نوادره , وله مقدمة للمصنف ضافية مفيدة , فلله دره , وعليه تعليقات لمحققه ولده الإمام أمين بن محمود خطاب السبكي رحمه الله رحمة الأبرار.
¥