والثانى: السؤال به، فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل فى ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود فى دعاء كثير من الناس، لكن ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك كله ضعيف بل موضوع. وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمى الذى علمه أن يقول: [أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبى الرحمة]، وحديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فإنه صريح فى أنه إنما توسل بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم وشفاعته، وهو طلب من النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء، وقد أمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يقول: (اللهم شفعه فى). ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبى صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مما يعد من آيات النبى صلى الله عليه وسلم. ولو توسل غيره من العميان، الذين لم يدع لهم النبى صلى الله عليه وسلم بالسؤال به، لم تكن حالهم كحاله.
ودعاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فى الاستسقاء المشهور بين المهاجرين والأنصار، وقوله: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا): يدل على أن التوسل المشروع عندهم هو التوسل بدعائه وشفاعته لا السؤال بذاته؛ إذ لو كان هذا مشروعاً لم يعدل عمر والمهاجرين والأنصار عن السؤال بالرسول إلى السؤال بالعباس.
وشاع النزاع فى السؤال بالأنبياء والصالحين، دون الإقسام بهم؛ لأن بين السؤال والإقسام فرقاً، فإن السائل متضرع ذليل يسأل بسبب يناسب الإجابة، والمقسم أعلى من هذا، فإنه طالب مؤكد طلبه بالقسم، والمقسم لا يقسم إلا على من يرى أنه يبر قسمه، فإبرار القسم خاص ببعض العباد.
وأما إجابة السائلين فعام؛ فإن الله يجيب دعوة المضطر ودعوة المظلوم وإن كان كافراً، وفى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من داع يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له من الخير مثلها، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها) قالوا: يا رسول الله، إذاً نكثر. قال: (الله أكثر). وهذا التوسل بالأنبياء بمعنى السؤال بهم ـ وهو الذى قال أبو حنيفة وأصحابه وغيرهم أنه لا يجوز ـ ليس فى المعروف من مذهب مالك ما يناقض ذلك، فضلا أن يجعل هذا من مسائل السب، فمن نقل عن مذهب مالك أنه جوَّز التوسل به، بمعنى الإقسام به أو السؤال به، فليس معه فى ذلك نقل عن مالك وأصحابه، فضلا عن أن يقول مالك: إن هذا سب للرسول أو تنقص له، بل المعروف عن مالك أنه كره للداعى أن يقول: يا سيدى، سيدى، وقال: قل كما قالت الأنبياء: يا رب، يا رب، يا كريم. وكره أيضا أن يقول: يا حنان يا منان. فإنه ليس بمأثور عنه.
فإذا كان مالك يكره مثل هذا الدعاء، إذ لم يكن مشروعاً عنده، فكيف يجوز عنده أن يسأل الله بمخلوق نبياً كان أو غيره، وهو يعلم أن الصحابة لما أجدبوا عام الرمادة لم يسألوا الله بمخلوق، لا نبى ولا غيره، بل قال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون) انتهى.
وأما الأمر الاخر الذي نقلته من كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله فله وجه آخر لعلي أذكره في مشاركة قادمة بإذن الله تعالى
وقد يستفاد من هذا الرابط حوله
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=119037#post119037
ـ[ناصر أحمد عبدالله]ــــــــ[03 - 01 - 05, 08:12 ص]ـ
أخي الكريم عبد الرحمن ..
وفقك الله لكل خير ..
بل السياق أخي الكريم يدل دلالة واضحة على أن الصحيح (ساغ) وليس (شاع)، وأن (شاع) هذه هي التصحيف، وذلك لأن شيخ الإسلام ذكر بعد ذلك سبب سواغ النزاع وليس سبب شيوعه، وتأمل قوله: (لأن بين السؤال والإقسام فرقاً، فإن السائل متضرع ذليل يسأل بسبب يناسب الإجابة، والمقسم أعلى من هذا، فإنه طالب مؤكد طلبه بالقسم)، فالمناسب لسياق الكلام أن هذا تعليل لسواغ النزاع وليس لشيوعه.
أضف إلى ذلك أن طبعة الشيخ ربيع مراجعة على مخطوط، وكذلك كلام شيخ الإسلام رحمه الله في الموضع الثاني، ثم رواية المروزي عن أحمد، كل ذلك يبين ما أردت إيضاحه.
وحتى لو لم يثبت نص شيخ الإسلام على سواغ الخلاف في هذه المسألة لما كان ذلك دليلا على عدم سواغها، فالعبرة بالدليل كما قلت أنت قبل ذلك بارك الله فيك.
ومعلوم أن الخلاف يكون غير سائغا إذا صادم المخالف نصا من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي، وهذا ما ليس متوفرا في أدلتنا على المنع، بل كثير من مخالفينا استدل ببعض الآيات والأحاديث التي نسوقها استدلالا على المنع، حيث أن دلالاتها ظنية.
فإن كان في المسألة نص أو إجماع قلنا ساعتها بعدم سواغ الخلاف، أما والحال هكذا فلا، وإن كنت قد وقفت على نص أو إجماع في المسألة فلا تبخل علينا بالفائدة، وجزاك الله خيرا كثيرا على الرابط المفيد.
وأسأل لله أن يوفقنا للخير وأن يجمعنا في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في جنته، وأن يجعلنا إخوانا على سرر متقابلين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
¥