تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذا كان مالك يكره مثل هذا الدعاء، إذ لم يكن مشروعاً عنده، فكيف يجوز عنده أن يسأل الله بمخلوق نبياً كان أو غيره، وهو يعلم أن الصحابة لما أجدبوا عام الرمادة لم يسألوا الله بمخلوق، لا نبى ولا غيره، بل قال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون.

وكذلك ثبت فى صحيح مسلم عن ابن عمر وأنس وغيرهما أنهم كانوا إذا أجدبوا إنما يتوسلون بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم واستسقائه، لم ينقل عن أحد منهم أنه كان فى حياته صلى الله عليه وسلم سأل اللّه تعالى بمخلوق /لا بد ولا بغيره، لا فى الاستسقاء ولا غيره، وحديث الأعمى سنتكلم عليه إن شاء اللّه تعالى، فلو كان السؤال به معروفاً عند الصحابة لقالوا لعمر: إن السؤال والتوسل به أولى من السؤال والتوسل بالعباس، فلم نعدل عن الأمر المشروع الذى كنا نفعله فى حياته وهو التوسل بأفضل الخلق إلى أن نتوسل ببعض أقاربه،وفى ذلك ترك السنة المشروعة وعدول عن الأفضل، وسؤال اللّه تعالى بأضعف السببين مع القدرة على أعلاهما ــ ونحن مضطرون غاية الاضطرار فى عام الرمادة الذى يضرب به المثل فى الجدب.

والذى فعله عمر فعل مثله معاوية بحضرة من معه من الصحابة والتابعين، فتوسلوا بيزيد بن الأسود الجُرَشِى كما توسل عمر بالعباس، وكذلك ذكر الفقهاء من أصحاب الشافعى وأحمد وغيرهم أنه يتوسل فى الاستسقاء بدعاء أهل الخير والصلاح، قالوا: وإن كانوا من أقارب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، اقتداء بعمر، ولم يقل أحد من أهل العلم: إنه يسأل اللّه تعالى فى ذلك لا بنبى ولا بغير نبى.

وكذلك من نقل عن مالك أنه جوز سؤال الرسول أو غيره بعد موتهم أو نقل ذلك عن إمام من أئمة المسلمين ــ غير مالك ــ كالشافعى وأحمد وغيرهما فقد كذب عليهم، ولكن بعض الجهال ينقل هذا عن مالك ويستند إلى حكاية مكذوبة عن مالك، ولو كانت صحيحة لم يكن التوسل الذى فيها هو هذا، بل هو التوسل بشفاعته يوم القيامة، ولكن من الناس من يحرف نقلها، وأصلها ضعيف كما سنبينه إن شاء اللّه تعالى) انتهى.

فكلامه هنا واضح في نفي (تسويغ) هذا الفعل عن الأئمة، وقد بين أن هناك من كذب على الأئمة ونسب إليهم قصصا وأقوالا في هذا الباب لم تثبت عنهم،

وقولك وفقك الله (بل السياق أخي الكريم يدل دلالة واضحة على أن الصحيح (ساغ) وليس (شاع)، وأن (شاع) هذه هي التصحيف، وذلك لأن شيخ الإسلام ذكر بعد ذلك سبب سواغ النزاع وليس سبب شيوعه، وتأمل قوله: (لأن بين السؤال والإقسام فرقاً، فإن السائل متضرع ذليل يسأل بسبب يناسب الإجابة، والمقسم أعلى من هذا، فإنه طالب مؤكد طلبه بالقسم)، فالمناسب لسياق الكلام أن هذا تعليل لسواغ النزاع وليس لشيوعه.)

هذا بارك الله فيك لايسلم لك لأن شرحه لمعنى السؤال والإقسام لايؤثر على معنى تلك الكلمة، فهو قد ذكر السؤال والإقسام، ثم بين حال من يريد السؤال وحال من يريد القسم، ولايدل كلامه هذا لاعلى جواز ولا تحريم، وإنما هو بيان لحالهما فقط.

والكلام الذي ذكره بعد ذلك وبينه عن الأئمة يدل دلالة صريحة على عدم جواز السؤال وأنه لم ينقل عن أحد من أهل العلم المعتبرين ومن نقل عنهم فقد كذب عليهم.

وأما احتجاجك بطبعة الدكتور المدخلي ففيها كذلك بعض الأمور التي أخذت على المحقق، وقد ذكر بعضها الشيخ سمير المالكي في بحث له تجده في هذا الرابط

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=83998&postcount=3

وكذلك مما يؤيد وقوع التصحيف في المطبوع بتحقيق الدكتور المدخلي أنه هو نفسه استبعد صدور هذا عن المؤلف ونبه على هذا في الحاشية،فقال (هذا التعليل مستغرب من شيخ الإسلام، فإن النزاع إنما هو في السؤال المبتدع بمعنى التوسل بذوات الأنبياء والصالحين وبجاههم وحقهم، وشيخ الإسلام يقرر هذا في غير موضع أن التوسل من هذا النوع توسل بأسباب أجنبية غير مناسبة للإجابة، فيستبعد صدور هذا الكلام منه، والله أعلم) انتهى. ولكنه لم يتنبه لمسألة التصحيف!

فما ورد في مجموع الفتاوى من قوله (شاع) أنسب للسياق، وأنسب للمعروف من كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله.

ـ[ناصر أحمد عبدالله]ــــــــ[03 - 01 - 05, 08:09 م]ـ

أخي الكريم عبد الرحمن ..

بارك الله فيك وفي علمك وحلمك ..

في الحقيقة أخي الكريم، إني لا أجد في سياق كلام شيخ الإسلام إلا تسويغا للخلاف سواء كان الصحيح عنه لفظة (ساغ) أو كان الصحيح لفظة (شاع)، فكلاهما يدل على المراد إلا أن دلالة لفظة (ساغ) أبين وأوضح.

ولا أرى نفيا من شيخ الإسلام لـ (تسويغ) الخلاف، ولكنني أرى نفيا لحدوث ذلك من الأئمة الكبار رحمهم الله، وهو ما نتفق أنا وأنت مع شيخ الإسلام فيه، فالقضية - بيننا الآن - ليست في: هل وقع ذلك من الإئمة الكرام أم لا؟ فنحن ولله الحمد متفقون على عدم (تسويغ هذا الفعل عن الأئمة) و (أن هناك من كذب على الأئمة ونسب إليهم قصصا وأقوالا في هذا الباب لم تثبت عنهم) على حد تعبيراتك، هذا كله متفقون عليه، وهو الحق الذي ندين به إلى الله تعالى، وهذا هو ما يقرره شيخ الإسلام في كلامه.

أما قضية تسويغ (الخلاف) في المسألة فشأن آخر، ونحن لا نستدل على التسويغ بكلام شيخ الإسلام، وإنما نستأنس به فقط، ونستفيد منه أنه رحمه الله كان يرى الخلاف سائغا، وهذا أمر فرعي لن يأتي طول النقاش فيه بثمرة كبيرة، وإن لم يخلُ من فائدة، ويحسم النقاش فيه صورة مخطوط الكتاب، فمن زودنا بها أسأل الله أن يجزيه خير الجزاء.

أما كلامنا الرئيسي فهو ما ذكرته لك في مشاركتي السابقة عن حد الخلاف غير السائغ، وعن عدم مصادمة المخالف لنص أو إجماع، هذا هو المجال الذي يستحق التباحث حقا، وفي انتظار كلامك أخي الكريم فيه، وسوف أعيد كتابته بنوع من التفصيل أكثر إن شاء الله، أسأل الله عز وجل أن يستعملنا وألا يستبدلنا، وبارك الله فيك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير