قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما القسم الثالث مما يسمى توسلا فلا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي شيئا يحتج به أهل العلم كما تقدم بسط الكلام على ذلك، وهو الإقسام على الله عز وجل بالأنبياء والصالحين أو السؤال بأنفسهم، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثابتا لا في الإقسام أو السؤال به ولا في الإقسام أو السؤال بغيره من المخلوقين، وإن كان في العلماء من سوغه فقد ثبت عن غير واحد من العلماء أنه نهى عنه، فتكون مسألة نزاع كما تقدم بيانه، فيرد ما تنازعوا فيه إلى الله ورسوله ويبدى كل واحد حجته كما في سائر مسائل النزاع، وليس هذا من مسائل العقوبات بإجماع المسلمين بل المعاقب على ذلك معتد جاهل ظالم فإن القائل بهذا قد قال ما قالت العلماء والمنكر عليه ليس معه نقل يجب إتباعه لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة) صفحة 212 من طبعة الدكتور ربيع.
هذا نقل واضح عن شيخ الإسلام يوضح أبعاد القضية، ويؤكد أن المسألة من مسائل الخلاف السائغ، لا لأن شيخ الإسلام ابن تيمية قال ذلك، ولا لأن الإمام محمد بن عبد الوهاب قال ذلك، فمجرد قولهما بتسويغ الخلاف ليس دليلا على سواغه، بل لأن الأمر ليس فيه نص يجب اتباعه، فالعبرة في تسويغ الخلاف أو عدمه إنما هي وجود النص أو الإجماع كما أجملت قبل ذلك، وسوف أفصل القول في ذلك لاحقا إن شاء الله.
نخلص من ذلك بعدة أمور ..
أولها: أن هذه المسألة من مسائل الخلاف السائغ التي لا ينكر فيها على المخالف لعدم وجود نقل يجب اتباعه.
ثانيا: أن هذا ما ذهب إليه شيخي الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب رحمهما الله.
ثالثا: أن الراجح لدينا عدم جواز ذلك وهو ترجيح الشيخين رحمهما الله.
ولا أنسى أن أشكر الأخ عبد الرحمن الفقيه وسائر الإخوة الكرام الذين كانوا سببا في مدارسة هذه المسألة وتوضيحها، نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا وأن يعلمنا ما جهلنا وأن يرزقنا حبه وحب من يحبه وحب كل عمل صالح يقربنا إلى حبه، وجزاكم الله خيرا ..
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[04 - 01 - 05, 11:38 م]ـ
بارك الله فيك ولكن الكلام الذي نقلته عن ابن تيمية رحمه الله في القسم وليس في السؤال؟ فتأمل
وليتك نقلت الكلام ص 213 ففيه بيان السؤال وأنه من فعله ضال
ولعلي أنقله للفائدة
وأما السؤال به من غير إقسام به فهذا أيضا مما منع منه غير واحد من العلماء، والسنن الصحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على ذلك، فإن هذا إنما يفعله على أنه قربة وطاعة، وأنه مما يستجاب به الدعاء.
وما كان من هذا النوع فإما أن يكون واجبا وإما أن يكون مستحبا، وكل ما كان واجبا أو مستحبًا فى العبادات والأدعية فلابد أن يشرعه النبى صلى الله عليه وسلم لأمته، فإذا لم يشرع هذا لأمته لم يكن واجبا ولا مستحبا ولا يكون قربة وطاعة، ولا سببا لإجابة الدعاء، وقد تقدم بسط الكلام على هذا كله.
فمن اعتقد ذلك فى هذا أو فى هذا فهو ضال وكانت بدعته من البدع السيئة، وقد تبين بالأحاديث الصحيحة وما استقرئ من أحوال النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن هذا لم يكن مشروعًا عندهم.
وأيضا، فقد تبين أنه سؤال لله تعالى بسبب لا يناسب إجابة الدعاء، وأنه كالسؤال بالكعبة والطور والكرسى والمساجد وغير ذلك من المخلوقات، ومعلوم أن سؤال الله بالمخلوقات ليس هو مشروعًا، كما أن الإقسام بها ليس مشروعًا بل هو منهى عنه) انتهى.
ـ[ناصر أحمد عبدالله]ــــــــ[04 - 01 - 05, 11:55 م]ـ
أخي الكريم خطاب القاهري ..
وفقك الله لما فيه رضاه، وأعانك على تقواه ..
هناك فرق أخي الكريم بين (تسويغ الخلاف) و بين (تسويغ الفعل عن الأئمة)، فالأولى تعني أن المسألة ليست فيها نص أو إجماع يجب اتباعه، بل لكلا الطرفين وجه من الدليل، وهذا ما كنت أتكلم عنه، وإن كنت أرجح القول بالمنع، أما الثانية فمعناها: هل الأئمة صدر عنهم هذا النوع من التوسل أم لا؟ وهذا ما يتفق القائلون بالمنع على عدم حدوثه، لعدم ثبوت ذلك بسند صحيح.
ولو ثبت لنا بسند صحيح أن أحد الأئمة فعل ذلك لقلنا: عالم اجتهد فأخطأ فنال أجرا، إذ أننا نرجح خلاف ما ذهب إليه على ما ظهر لنا من الأدلة، ولكنه لم يثبت في ذلك شيء، فنقول: الحمد لله الذي جمعنا مع أئمتنا على اتباع السنة.
فالعبرة أخي الكريم - أحبك الله - في وجود نص أو إجماع في المسألة، لا في قول فلان من العلماء، فإذا كانت المسألة - عقدية كانت أو فقهية - ثبت فيها نص من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي لا يختلف فيه، فالمخالف حينها يكون قد خالفنا خلافا غير سائغ ولا معتبر، ويجوز ساعتها الإنكار عليه ومعاقبته ونحو ذلك.
أما إن كانت الأدلتة محتملة الدلالة، كما هو الحال في مسألتنا هذه فالأمر يختلف كما وضحت ذلك في المشاركة السالفة، ولعل أكثر ما يدخل من الخطأ على طلاب العلم في هذه المسائل عدم اتقانهم لأصول فقه الخلاف التي تعين على النظر إلى المخالف نظرة صحيحة، ولعلي أفرد لذلك موضوعا خاصا إن شاء الله ويسر.
أسأل الله أن يكون الإشكال قد زال، وأسأل الله عز وجل أن يمن علينا بالفهم في كتابه، وفي سنة رسوله صلى الله علية وسلم، وفي أقوال ورثته عليهم رحمة الله، وبارك الله فيك.
¥