لو كان الأمر مقتصرا على شد الرحل لزيارة قبره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لهان الخطب والأمر، لكنه تعدى إلى شد الرحل لزيارة قبور ومشاهد الأولياء والصالحين، والدعاء عندها والطواف حولها والتبرك بها والنذر لها والإستغاثة بأصحابها. وهذا من أسس دين الرافضة، الذين يشدون الرحال لزيارة قبور ومشاهد أئمتهم من أهل البيت في بعض الأقطار الإسلامية، وشابههم في ذلك أهل التصوف، ومن أشهر هذه المشاهد التي تشد الرحال لزيارتها مشهد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة، وأحمد البدوي ومشهد عبدالقادر الجيلاني، ومشاهد أهل البيت بكربلاء والنجف والكوفة، ومشاهد أقطاب التصوف المنتشرة في العالم الإسلامي.
نقل السبكي في شفاء السقام (ص 70) عن أحد الحنابلة، وهو "محمد بن عبدالله السامري" قوله: "اللهم إني أتوجه إليك بنبيك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - …وذكر دعاء طويلا، ثم قال: وإذا أراد الخروج عاد إلى قبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فودع".
وقال مفتي الشافعية بمكة أحمد دحلان (ت 1304هـ) في الدرر السنية (ص 86): "وقال ابن أبي فديك: سمعت بعض من أدركت من العلماء والصلحاء يقول: بلغنا أن من وقف عند قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتلا هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}، وقال: صلى الله عليك يا محمد، حتى يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان ولم تسقط له حاجة".
قلت: هذا احتجاج باطل من ابن دحلان لأن ابن فديك روى عن مجهول والمجهول عن مثله، ظلمات بعضها فوق بعض، وهذا شأن المتصوفة والقبوريين الإستدلال بالغث والهش والنطيحة والمتردية وما لا طائل تحته.
أدلة الروافض على شد الرحل لزيارة قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
روى شيخ الرافضة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460 هـ):
1. حدثنا أبو الحسن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين عليه السلام قال: حدثني أبي عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: "من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إلي في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إلي بالسلام فإنه يبلغني".
2. وبسنده عن صفوان بن سليمان عن أبيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وآله قال: "من زارني في حياتي وبعد موتي كان في جواري يوم القيامة".
3. وبسنده عن ابن أبي نجوان قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عمن زار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قاصدا؟ قال: له الجنة".
4. وبسنده عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وآله: "من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامه".
5. وبسنده عنه أيضا: "من أتى مكة حاجا ولم يزرني في المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة".
6. وبسنده عنه قال: "ما لمن زار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وآله؟ قال: كمن زار الله فوق عرشه".
7. وبسنده عن الحسين عليه السلام أنه قال لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وآله: "يا أبتاه ما جزاء من زارك؟ فقال: يابني من زارني حيا أو ميتا، أو زار أباك، أو زار أخاك، أو زارك كان حقا علي أن أزوره يوم القيامة، وأخلصه من ذنوبه".
ثم إن الرافضي استحسن أن يقول الزائر لقبر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قول الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، وإني أتيتك مستغفرا تائبا من ذنوبي، وإني أتوجه بك إلى الله عزوجل، ربي وربك ليغفر لي ذنوبي".
انظر في تهذيب الأحكام (6/ 3 فما بعدها).
وقال الطوسي أيضا: "باب وداع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وآله".
¥