تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومحال مع تعليمهم كل شىء لهم فيه منفعة فى الدين وان دقت أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه فى قلوبهم فى ربهم ومعبودهم رب العالمين الذى معرفته غاية المعارف وعبادته أشرف المقاصد والوصول اليه غاية المطالب بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الالهية فكيف يتوهم من فى قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام ثم إذا كان قد وقع ذلك منه فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا فى هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة القرن الذى بعث فيه رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كانوا غيرعالمين وغير قائلين فى هذا الباب بالحق المبين لأن ضد ذلك اما عدم العلم والقول واما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق وكلاهما ممتنع:

(أما الأول) فلأن من فى قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة فى العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه أعنى بيان ما ينبغى اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته.

وليست النفوس الصحيحة الى شىء أشوق منها الى معرفة هذا الامر وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضى الذى هو من أقوى المقتضيات أن يتخلف عنه مقتضاه فى أولئك السادة فى مجموع عصورهم هذا لا يكاد يقع فى ابلد الخلق وأشدهم أعرضا عن الله وأعظمهم أكبابا على طلب الدنيا والغفلة عن ذكر الله تعالى فكيف يقع فى أولئك؟

وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم.

ثم الكلام فى هذا الباب عنهم: أكثر من أن يمكن سطره فى هذه الفتوى وأضعافها يعرف ذلك من طلبه وتتبعه ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الاغبياء ممن لم يقدر قدر السلف بل ولا عرف الله ورسوله والمؤمنين به حقيقة المعرفة المأمور بها من أن طريقة السلف اسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم وان كانت هذه العبارة اذا صدرت من بعض العلماء قد يعنى بها معنى صحيحا.

فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم على طريقة السلف انما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هى مجرد الايمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ) (البقرة:78) وان طريقة الخلف هى إستخراج معانى النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات.

فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالة التى مضمونها نبذ الاسلام وراء الظهر وقد كذبوا على طريقة السلف وضلوا فى تصويب طريقة الخلف فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف فى الكذب عليهم وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس فى نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص بالشبهات الفاسدة التى شاركوا فيها اخوانهم من الكافرين فلما اعتقدوا انتفاء الصفات فى نفس الأمر وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى بقوا مترددين بين الايمان باللفظ وتفويض المعنى وهى التى يسمونها طريقة السلف وبين صرف اللفظ الى معان بنوع تكلف وهى التى يسمونها طريقة الخلف فصار هذا الباطل مركبا من فساد العقل والكفر بالسمع فان النفى انما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات وهى شبهات والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه.

فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين كانت النتيجة إستجهال السابقين الأولين واستبلاههم واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين بمنزلة الصالحين من العامة لم يتبحروا فى حقائق العلم بالله ولم يتفطنوا لدقائق العلم الالهى وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق فى هذا كله.

ثم هذا القول اذا تدبره الإنسان وجده فى غاية الجهالة بل فى غاية الضلالة كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما والاشارة بالخلف الى ضرب من المتكلمين الذين كثر فى باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم وأخبر الواقف على نهاية أقدامهم بما انتهى إليه أمرهم حيث يقول

لعمرى لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفى بين تلك العالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير