تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان هذا لفظ ابن عابدين بالذّات!

ثمّ أشار إلى» هذه الإدّعاءات الباطلهِ «على حدّ وصفه إيّاها:» فإنّه ممّا تأنفه الأسماع وتمجحه الطباع «

وبالاختصار يقول ابن عابدين: إنّ الشيخ إسماعيل المذكور لم يقل كما أخبر عنه كاتب الرسالةِ، وإنّما أفاد أنّه كان يسمع أصواتًا خفيّةً، ولم ير أحدًا أثناء الذكر والحلقة التي يسمّونها: التّوجُّه. (ص/7)

فأنا تذكّرتُ هنا أمرًا بهذه المناسبة، وهي أنّ مشايخ الطريقة النقشبندية بالمنطقة الشرقية في تركيا كانوا يقيمون طقوسًا غريبةً لا يعرفها المسلمون ولا يعترفون بها، ومن جملة هذه الطقوس أنّهم كانوا يعقدون حلقةً خاصّةً تختلف عن حفلة (ختم خواجكان)، ويسمونها التوجُّه. ومن الغريب أن مشايخ هذه الطريقة بالمنطقة الغربية لا يعرفون عن هذه العادة شيئًا، رغم ما يدّعون أنّهم يتّصلون بتلك السلسلة المزعومة، ورغم اتّحادهم معهم في الطريقة والمشرب والمُعتقد. وهذا من الحجج التي تدلّ على عدم استقرارهم وبطلان دعواهم التي لا تقوم على أساس من الحقّ.

ثم يسجّل ابن عابدين نصَّ رسالةٍ كتبها الشيخ إسماعيل المذكور، يتبرّأ فيها كاتبها عمّا أُسنِدَ إليه، كما يعتزّ بشيخه خالد النقشبنديّ، ويمتدحه مدحًا طويلاً، ثمّ يتبرّأ من كلّ مَنْ يتوهّم السحر أو الكفرَ أو الفسقَ أو البدعة في حقّ شيخه. كذلك يتبرّأ خاصّةً من كاتب الرسالة التي طعن بها في شيخه، وسمّاه هنا، بعد أن امتنع من ذلك عبر حديثه، فقال:» لاسيّما من المنكر المطرود الذي اسمه عبد الوهّاب ... «. (ص/8)

لقد كنتُ في قلقٍ منذ بدأت أتصفّح رسالة (سلّ الحسام الهندي)، هذه التي تَنَاوَلْتُهَا، وَاتَّخَذْتُهَا موضوعًا لِبَحثي ودراستي حول الطريقة النقشبندية، كنتُ في قلقٍ لأتعرّفَ على اسم هذا الشخص الذي سلّ ابن عابدين الْحُسَامَ عليه لينتقمَ منه عن خالد البغداديّ، ولكنّه لم يذكره ألاَّ بالضمائر استخفافًا به، حتّى وصلتُ إلى هذا المقطع من الكتاب، فوجدتُ اسمَهُ مذكورًا في رسالةٍ أُخْرىَ منقولةٍ ضمنَ سطورِ ابن عابدين. وهذا يعني أنّ ابنَ عابدين، بلغ منه الغضبُ على هذا الشخص حتّى جعله يكره أن يذكر اسمه في كتابٍ لم يدوّنه إلاّ ليملأه باللّعن عليه. وبذا عرفنا أنّ ذلك الشخص الّذي اصبح غرضًا لسيف ابن عابدين اسمه (عبد الوهّاب السوسي).

ويدّعي الشيخ إسماعيل (على حدّ قولِهِ): أنّ عبد الوهّاب، هذا الطاعن في خالد البغدادي:» قد بنى فضولَهُ على خبرِ قصّةِ الشيخ إسماعيل بالذّات عليه (أي على عبد الوهّاب السوسي)، فيكون عبد الوهّاب قد تصرّف فيما نُقِلَ إليهِ. فزاد عليه أو حرّفهُ بألاستعانةِ بأحد الأشخاص المطرودين من باب الشيخ خالد، حيث كان هذا الشخص مع الشيخ إسماعيل في حجرةٍ مغلّة البابِ، فسمع أصوات الأجنّةِ تذكر اللهَ. فلمّا قصّ هذا الخبر على عبد الوهّاب استغلّ هذه القصّة فزاد فيه ما زاد. «

ثمّ عثرتُ على اسم هذا الرجل في رسالة أخرى مدوّنةٍ باللغة التركيةِ ألّفها شخصيةٌ من كبار الأعلام في تركيا اسمه قَسِيم كُفْرَويِ، يتطرّق فيها إلى نفس النزاع، فيقول:» إنّ عبد الوهّاب السوسي كان من خلفاء خالد البغداديّ. فكلّفه شيخه خالدٌ بنشر دعوته في إسطنبول. ولماّ بلغه أن عبد الوهّاب يأمر الناس بالرابطة لنفسه، طرده من طريقته بعد أن جرت بينهما مشاجرات ومساجلات ... «. كذلكَ وردت هذه القصّةُ في عددٍ أخرى من الرسائل والكُتُبِ للنقشبنديّينَ وغيرهم. فمن أراد المزيد من المعلومات حول هذه القصّةِ، يكفيه مراجعة (الحدائق الوردية في حقائق أجلاّء النقشبنديةِ) لِعبد المجيد الخاني.

أمّا (الرابطة): فهي صلاة في الديانة النقشبنديةِ مأخوذةٌ من معتقدات مجوس الهند، ويغلب أنها مقتَبَسَةٌ من كتاب السطرايات للراهب الهندي المعروف باسم (باتانجالي Patanjali). تنشب أحيانًا بسبب هذه البدعة فتن بين المسلمين والنقشبنديين في تركيا.

أودّ هنا أن أشير بالمناسبةِ إلى أنّه ظهر لي أثناء مطالعةِ رسالة (سلّ الحسام الهندي) لابن عابدين، أنّ المؤلّفَ كان متأثرًا إلى حدودٍ بعيدةٍ بظروف عصره والبيئة التي نشأ فيها. وتشهد على ذلك كلماته المسجّعةُ وما يبدو من خلالها من تكلُّفٍ وتصنُّعٍ وتشدُّقٍ. كلّ ذلك ليُظهِرَ به مهارتَهُ في تنسيق العبارات واتقانَهُ في التعبير بسحر الكلمات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير