تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فعلى الرغم من وجود النصوص القاطعةِ في كتاب الله بأنّه وحده تعالى منفرد بعلم الغيبِ» وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُو «. (الأنعام59).» قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُون «. (الأنعام/50).» قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُون «. (الأعراف/188).

فقد أغضى ابنُ عابدين عن كلّ هذه البراهين القاطعةِ وتكلّف في تأويل الآية الكريمة:» فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ «. (الجن/26 - 27)، وتمسّك بالقيل والقال بُغْيَةَ أن يُشْمِلَ هذه الآيةَ على غير الرّسلِ من البشر من أولئك الّذين يحظون الشهرةَ بِالْتِفَافِ الرَّعَاعِ حولهم، وبإطلاقِ بعض الناسِ صفةَ الولايةِ عليهم وإن لم يدعوها لأنفسهم.

ثم أنهى ابن عابدين رسالته هذه» بخاتمة مشتملة على نبذة يسيرة «وليست بيسيرة في الحقيقةِ وذلك» عن بعض العلماء الأعلامِ من معاصري هذا الإمام الذين شهدوا له بالفضل التامّ وبأنّه من العلماءِ العاملين والأولياء الكرام «على حدّ قوله وطبقا لذوقه السقيم وعقله المتخلّف القديم، فلا يستحق أن نهتمّ به لبساطة إطلاقه وخلطه ومراوغته ومجازفته ...

أمّا بعد هذه الدراسة السريعة لرسالة ابن عابدين المسماة» سلّ الحُسام الهندي ... «، فأقول مستعينًا بالله سبحانه على سبيل الإيجاز: أنّ في هذه الدراسة أمورًا بجب الوقوف عليها بامعانٍ وتحليلها في ضوء الكتاب والسنة:

أوّلها: أنّ ابن عابدين –غفر الله لنا وله- قد دوّن هذه العجالةَ ردّا على شخصٍ اسمُهُ عبد الوهّاب، ولم نعثر على شيءٍ من آثارِهِ إلاَ ما ذكرناه. وتَجِبُ الإشارةُ هنا إلى أنّ عبد الوهّاب هذا الرجل المستهدف ليس هو محمد بن عبد الوهّاب (1703 - 1792م.) الزعيم النجدي الذي تُنسَبُ إليه الطائفة الوهّابيةُ، تفاديًا للاشتباه.

وثاني هذه الأمور: هو أنه ثبت لي من خلال عباراته أن ابنَ عابدين غاضبٌ أشدّ الغضب على هذا الشخصِ بسبب تطاوله على الشيخ خالد البغداديِّ، وكأنّه يرى نفسَهُ مُكَلَّفًا بالدفاع عن هذا الشيخ خاصّةً وأكثر من أي فردٍ آخر من جمهور الناس المتهافتين حول هذا الشيخ! فاستغربتُ هذا الموقفَ منه، وودِدْتُ لو عرفتُ السببَ المعقول لهذه المحاولة، كما تمنّيتُ لو عرفتُ نسبتَهُ إلى هذا الشيخ وقرابتَه التي دفعتْهُ إلى هذا الميدان حتّى أخذ على عاتقه أن يقوم بمثل هذه المهمة وأن يتّخذ من هذا الأسلوب الحماسي في الدفاع عنه (!) وقد انتابني الاستغرابُ أيضًا بأشدّ ما يكون، عندما تصفّحتُ أواخرَ كتابِهِ وقرأتُ الفصل الرابعَ من مقالتِهِ إذ يقول للقارئِ بأسلوبه المسجّعِ على سبيل التّنبيه:

» قد ظهر لكَ وبانَ، ممّا قرّرناه في هذا الشأن، أنّ مَن كان من أهل العلم والعرفان، وأخبر عن أمرٍ حَدَثَ أو سيحدثُ في الزمان، ممّا أطلعه عليه الملك المنّان، لا يحلّ لمسلمٍ ذي دينٍ وإيمان، أنّ يتّهمهُ بأنّ ذلك عن إخبار الجانِّ، وبأنّه ساحر وشيطان، وأن يحكم عليه بالكفر والزندقةِ والإلحادِ بمجرّدِ داءِ الحسدِ والافتراءِ والعنادِ؛ فإنّ سهامَهُ ترجع إليهِ، ودعاويهِ تعودُ عليهِ، ويظهر منه خبث العقيدةِ، وأنّ آراءه غيرُ سديدةٍ، ويخشى عليه سرعة الانتقامِ وسوء الختام والعياذ بالله «. (ص/45 - 46)

نعم هكذا ابن عابدين الفقيه الموقَّر بين جماهير الأحناف بل وعند كثير من علماء أهل السّنةِ! قد انحطّ إلى هذا الدرك الّذي يأسف عليه كلّ ذي علمٍ بالحلال والحرام، وكلّ ومطّلعٍ على العقيدة في الإسلام. فنسأل الله تعالى أن يكون قد ندم وتاب عن هذه الفضيحةِ بعد أن سجّل هذه التُّرَّهات. ولعلّ بعض الأقلام المسمومة قد جرت على حسابه والله أعلم بالخفايا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير