تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لعب خالدٌ دوره في نشر طريقته على جميعِ أرجاء المملكةِ العثمانيةِ بجهود أنصارِهِ من ملالي الأكرادِ وعلى رأسهم: عبد الرحمن الكرديّ الْعَقْريّ، وعبد الفتاح الكرديّ العقريّ، ومصطفى الكُلْعَنْبَريّ، والملا عباس الكوكيّ، والملا هداية الله الأربليّ، وملاّ عثمان الكرديّ الطويليّ، وخالد الكرديّ، وعبد القادر الديملانيّ، ومحمّد المجذوب العماديّ، ومحمّد الفراقيّ الكرديّ، ومحمد بن عبد الله الخاني، وإسماعيل الأنارانيّ ... لقد حاول هؤلاء ومئاتٌ آخرونَ من ملالي الأكراد والأتراك بكل ما في طاقتهم، وبذلوا أقصى جهودهم في نشر دعوة هذا الرجل إلى الآفاق دون أن يتأمّلوا هل أنه على حقٍّ أم على باطل، حتّى أصبحت حكومة الدولة العثمانيةِ تتهيّبُه وتعترف بمركزه وتحسب له حسابها. فكانت من نتائج هذا التحفّظ أن اتَّبَعَتْ الدولةُ سياسةً خاصّةً سايرته بها واستغلّتْه في حرب الوهّابيّةِ. إذ وافقتْ هذه السياسةُ أهدافَ الدّولةِ وأهدافَ خالدٍ في الوقتِ ذاتِهِ. لأنّ الدّولةَ كانت في حاجةٍ إلى موافقة الرعيّةِ في هذه الحربِ، فحصّلتْها بتأييدِ خالدٍ.

إنّ الصوفيةَ عامّةً والنقشبنديةَ خاصّةً يكرهونَ أهل التوحيدِ، ويرمونهم بإساءة الأدبِ إلى ذَاتِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وإلى الشخصيات المعروفين بينهم بالأولياءِ، كما أنّ أهل التوحيدِ (بما فيهم الوهّابية)، يكرهون سائر القبوريينَ. ولمّا كانت معتقدات معظم الأتراك والأكراد مشوبةً بالوثنيةِ، نالتْ دعوةُ خالدٍ البغداديّ رغبةً عظيمةً بين الطّائفتين، وانتشرت الطريقة النقشبنديةُ على كامل الساحة العثمانية في فترة أقل من ثلاثة أعوام. وصلت دعوة هذه النحلة إلى أقصى بقاعِ شبه جزيرة البلقان غربًا، وإلى تخوم دولة الروس في جبال قوقاز شرقًا، واجتاحتْ منطقةَ كُرْدِسْتَان والأناضول بتمامها في حياة خالد البغداديِّ. كانت هذه التطوّرات في الحقيقة انتصارًا عظيمًا للوثنية الجديدة على أرض الإسلام. وما زال هذا الخطرُ المتنكِّرُ في لباسِ الزُّهدِ والتَّقوى يهدّد الدين الحنيف على هذه الساحة، كما أنّ القلّة من المؤمنين الحنفاءَ من أبناء الْقَوْمَيْنِ التركيِّ والكرديِّ يعانونَ اضطهادًا شديدًا في هذه الآونة الأخيرةِ من جرَّاء التحالُفِ العلمانيِّ-النقشبنديّ.

مات خالدٌ عام 1826 للميلاد وهو نَادِمٌ على ما جاء به من البدع، وألفاظه شاهدة على هذه الندامة إذ يردّد الآية الكريمة {يَا حَسْررَتىَ عَلىَ مَا فَرَّطْتُ فيِ جَنْبِ اللهِ ... } قُبيلَ أن يلفظ أنفاسَه الأخيرةَ. ولعلّ مَن يقول معترضًا أن كلَّ مؤمن يحظى من الصحوة الإيمانيةِ، لا بدّ وأن يُكثر من الاستغفارِ وأن يُظهِرَ الندامةَ وهو على الرمق الأخير. هذا كلام صحيح لا شكّ فيه. ولكنه لا يصلح أن يُحتَجَّ به لإبراء ساحةِ خالد. لأنّه بالذّات يعترف في وصيته بسلبياتٍ صدرت منه على سبيل الإيجاز وهو مضطرٌّ للاختصارِ آنئذٍ حتمًا في تلك الظروف الخطيرة التي حلّت به إذ كان قد أصابه الطاعون، والله سبحانه أعلم به أنه لو كان على كمال الصحّةِ لربما اعترف بأضعافِ ذلك. وهذه كلماته الأخيرة:» لا تزيدوا التكايا عما في عهدي. ومن أراد الإحداث فليعمّر جامع العدّاس «. فقولوا بالله، أيُّ شيخٍ من شيوخ الطرق الصوفيةِ أوصى حتّى الآن بمثل هذا الأمر، ونهى أصحابه عن أن يزيدوا في عدد التكايا؟! هذا أمرٌ لا يستقيم مع المنطق السليم. إذ أنّ النهيّ عن إقامة التكايا معناه النهي عن ممارسة طقوس الصوفيةِ. وهذا قد صدر عن خالد البغدادي بصراحةٍ بالغةٍ من خلال كلماته المنقولة آنفًا. والله تعالى غنيٌّ عن عذابه وعذابنا، كما نَتَمَنَّى أن يشملنا جميعًا غُفْرَانُهُ، إلاَّ أنَّ تأثيرَ هذا الرجل لا يزال يوجّه ملايين الناس في ازدياد التكايا، وإسرَارِهِمْ على بِدَعِهِ، فضلاً عن الاضطهاد الذي يمارسه أنصارُ طريقتِهِ ضد المؤمنين الحنفاءِ في تركيا اليوم.

وعلى ضوء ما أوردتُ في هذه العجالة من معلومات هامّةٍ أريد أن أختتم كلامي بنبذة من الوصايا للقرّاءِ الكرام، وخاصّةً منهم القائمينَ بإرشاد الناسِ أن يلتزموا جانب الحيطةَ في ثلاثة أمور:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير